عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الأشعريين إذا أرملُوا في الغزوِ، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموهُ بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم)) متفق عليه.
“ارملوا”: فرغ زادهم، أو قارب الفراغ.
قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث من رياض الصالحين:
” … الأشعريين من أهل اليمن، كانوا يتساعدون في أمورهم، فإذا أتاهم شيء من المال جمعوه ثم اقتسموه بينهم بالسوية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فهم مني وأنا منهم)) قال ذلك تشجيعاً لما يفعلونه. وهذا الحديث أصلُ في الجمعيات التعاونية التي يفعلها بعض الناس اليوم”
[صندوق التكافل و جمع الاشتراكات]
” تجتمع القبيلة على أن يضعوا صندوقاً يجمعون فيه ما يريد الله عز وجلّ من المال؛ إما بالنسبة وإما بالاجتهاد والترشيح، فيكون مثلاً على كل واحد منهم أن يدفع اثنين في المائة من راتبه أو من كسبه أو ما أشبه ذلك، ويكون هذا الصندوق معداً للحوائج والنكبات التي تحصل على واحد منهم.
فهذا أصله حديث أبي موسى رضي الله عنه الذي سبق، فإذا جمع الناس صندوقاً على هذا النحو ليتساعدوا فيه على نكبات الزمان من الحوادث وغيرها، فإن لذلك أصلاً في السنة، وهو من الأمور المشروعة.”
[إدارة الاكتتاب و التعويضات]
” ولكن ينبغي أن نعلم أن هذا الصندوق قد يكون لمن يقع عليه الحادث، وقد يكون لمن يقع منه الحادث.
أما الأول: فأن يوضع الصندوق لمساعدة الناس الذين يحصل عليهم جوائح؛ مثل جوائح تتلف زروعهم ومواشيهم، أو أمطار تهدم بيوتهم، أو ما أشبه ذلك، أو حوادث تحدث على سياراتهم من غيرهم، فيحتاجون إلى المساعدة؛ فهذا طيب ولا إشكال فيه.
أما الثاني: فهو للحوادث التي تقع من الشخص، فإذا فعل شخص حادثاً مثل دعس أحد أو ما أشبه ذلك يساعد، فهذا ينبغي أن ينظر في هذا الأمر؛ لأننا إذا وضعنا صندوقاً لهذا فإن السفهاء قد يتهورون، ولا يهمهم أن تقع الحوادث منهم، فإذا قدر أننا وضعنا صندوقاً لهذا الشيء فليكن ذلك بعد الدراسة؛ دراسة ما حدث من الشخص دراسة عميقة، وأنه لم يحدث منه تهورٌ ولم يحدث منه تفريطٌ، وإلا فلا ينبغي أن توضع الصناديق لمساعدة هؤلاء السفهاء الذين يوماً يدعسون شخصاً، ويوماً يصدمون سيارة وما أشبه ذلك، وربما يقع ذلك عن حال غير مرضية كسُكرٍ، أو عن حال يفرط فيها الإنسان كالنوم وما أشبه ذلك.
والحاصل أن هذه الصناديق تكون على وجهين:
الوجه الأول: مساعدة من يحصل عليه حادث، فهذا طيب ولا إشكال فيه.والوجه الثاني: أن يكون ممن يحصل منه حادث، فهذا إن وضع- ولا أحبذ أن يوضع، لكن إن وضع – فإنه يجب التحرز والتثبت من كون هذا الرجل الذي حصل منه الحادث لم يحصل منه تفريط ولا تعدِّ.”
[زكاة صندوق التكافل]
” ثم إن هذا المال الذي يوضع في الصندوق ليس فيه زكاة مهما بلغ من القدر، وذلك لأنه ليس له مالك، ومن شروط وجوب الزكاة أن يكون المال له مالك، وهذا الصندوق ليس له مالك؛ بل من حصل عليه حادث فإنه يساعد منه، وأصحابه الذين وضعوا هذه النقود في هذا الصندوق فإنهم لا يملكون أخذها؛ لأنهم قد أخرجوها من أموالهم لمال من؛ لا لأحدٍ وإنما هو للمساعدة، وعلى هذا فلا يكون فيها زكاة.”
قلتُ: العناوين بين علامتي [ ] من عندي.
و التأمين التكافلي له أدلة اخرى عامة، و لكن حديث الاشعريين من أخص الادلة عليه ، و تسمى هذه المسالة في فقه البيوع ” المناهدة” و هي أصل حل التأمين التكافلي ، و هناك تفصيلات أخرى لا يتسع لها المقام.
هاني حلمي