لسانُ حال بعض المتعالمين من أصحاب الشهادات، هو كما يقول الشاعر:
دخلتُ فيها جاهلاً متواضعاً وخرجت منها جاهلاً مغروراً
و ليس بعد بيان شيخ العربية هذا من مزيد:
قلتُ (هاني):
و الذي يعنيني من هذا الطرح هو دلالة الشهادة الشرعية على الحق!
الشهادة الشرعية، و لو كانت دكتوراة، فأنها لا تشهد لصاحبها أنه على الحق المُنزل من عند الله ، بل غاية الشهادة أن تشهد له أنه قد انهى عدة اختبارات و تجاوز عدداً من الاوراق البحثية ، ولا تشهد الشهادة الشرعية لصاحبها أنه عالماً بالحق مريداً له مؤثراً له على الأهواء و الشهوات و حظوظ النفس ، و الواقع المرير خير مثال على ما أقول.
الذي يشهد للمرء أنه على الحق هو متابعتة للكتاب و السنة بفهم سلف الأمة من الصحابة و التابعين و موافقة ما عليه مجموع أهل العلم المشهود لهم بالعلم و الصلاح.
وهذه الشهادات و الألقاب الفخمة فتنة لكل مفتون ، و من وزن الحق بالشهادات وقع في الباطل ، و ذلك لحرص كثير من المبطلين على الشهادات المؤنقة و الألقاب المُفخمة ، تروجياً لباطلهم الذي لا ينفق إلا عند من فرط في حظه من أصول علوم الشريعة ، و المتبع لهم ملامٌ إذا كانت له قدرة و تمكن من تحصيل العلم الذي تحيا به القلوب و الأرواح، ثم أعرض عن ذلك و اشتغل بما لا ينفع و ترك الأولى في حقه.
و الشهادات الشرعية نعمة من الله لمن قام بحقها و جمع بين إقبال الناس عليه ظناً منهم أنه عالم و بين تعليمهم الخير و دلالتهم على الحق.
و من التناقض الذي يقع فيه من أراد أن يصنع من الشهادات معياراً على الحق، أنك تجد اثنان يحملان نفس الشهادة من نفس الجامعة ، و مع ذلك قد تتباين اقوالهما تبايناً عظيماً ، فأي الرجلين أحق بالإتباع!
فالازهر مثلاً يُخرج لنا أشاعرة ماتريدية و متفلسفة معتزلة، و صوفية مشركين، و سُنية سلفية ، كلهم يحملون نفس الشهادة !
فالحق لا يعرفُ بالرجال، بل يعرفُ الرجال بموافقة الحق ، و معيار الحق: الكتاب و السنة بفهم سلف الأمة.
و لا يُفهم مما سبق أنني أطلب من كل مسلم أن يصير عالماً في كل مسألة من مسائل الدين ، لا يقول هذا عاقل ، بل الذي يجب أن يتعلمه كل مسلم هو منهج معرفة الحق و أصوله و كيفية التحقق من أن عمله موافقاً لمراد الله منه أم هو على النقيض من ذلك!
و كل مسلم يجب عليه أن يتحرى مراد الله منه قدر ما أوتي من جهد ، سواء تعلم بنفسه أو اجتهد في سؤال من غلب على ظنه أنه أعلم الناس بمراد الله الشرعي ، و إلا كان من المفطرين الداخلين في قول الله تعالى:
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)} [الزمر : 55-57]
اللهم اهدنا في من هديت و عافنا في من عافيت و تولنا في من توليت ، و صل اللهم و سلم على محمد و آله و صحبه.
هاني حلمي