“فالعلم الصافي لا يؤتاه إلا من سَلَّم.
وهذا أمر عجيب لأنَّ العلم الشرعي وخاصَّة التوحيد يؤتاه العبد بشيئين سلوكيين من أعمال القلوب:الأمر الأول: أنْ لا يعترض، فإذا اعترض حُجِبْ.
والأمر الثاني: أن يعمل بمفردات التوحيد ومفردات الإخلاص.
فإذا تعلم الإخلاص و عَمِلَ به، تُفتح له من أبواب الإيمان والعلم بالإيمان والإخلاص ما لا يُفتح للآخرين؛ بل المرء نفسه يجد في حاله في تارات من حياته أو تارات من طلبه للعلم مرةً يُفْتَح له لإخلاص كان عنده وصدق وعمل صالح كان عنده، ومرات يُحْجَبْ عنه كثير من أنواع الإخلاص وأنواع العلوم القلبية والأعمال القلبية…
فصفاء العلم يكون بهذين الشيئين.
حتى الأمور العملية -أمور الصلاة و الأحكام الفقهية من العبادات في المعاملات وغير ذلك-، إذا علمت شيئا فَسَلَّمْتَ للدليل، وسَلَّمْتَ لكلام أهل العلم، فعَمِلْتَ بذلك أورثك الله – عز وجل – ثباتاً في هذا العلم الذي عَلِمْتَهُ وفهماً لِمَا لم تعلم، كما قال بعض السلف (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم).
وقد قال – عز وجل – في سورة النساء {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:٦٦] .
{لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} إذا فعل المرء ما يُوعَظ به؛ يعني في القرآن والسنة، خير أن تعمل ما وُعِظْتَ به، وأشد تثبيتا للإيمان وللعلم.
ولهذا عدم الاعتراض في أمور العقائد والتوحيد على النصوص يُعْطَى العبد به نور ويَخْلُصْ توحيده وتصفى معرفته وعلمه ويَصِحَّ إيمانه كما ذكر رحمه الله.
وكذلك في الأمور العملية إذا عَمِلَ بعد العلم وسَلَّم ولم يعترض فإنه يصفى من جهة العمل ويكون إيمانه وعمله داعياً له إلى العلم وإلى الازدياد من العمل.
نسأل الله – عز وجل – أن يجعلنا وإياكم من أهل صحة الإيمان وصفاء العلم.”
مفرغ بتصرف يسير من شرح العقيدة الطحاوية، الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى.