قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه النفيس “صيد الخاطر”:
” … و على هذا أكثر الناس، صور العلم عندهم صناعة ، فهي تكسبهم الكبر و الحماقة.”
قلتُ:
الشهادات و الالقاب العلمية، هي من جملة صور العلم ، إلا لمن أخذها بحقها و أكمل الصورة بالحقيقة و المضمون ، و هو خشية الله عز و جل و الوقوف عند حدوده ، و أن لا يتطاول على خلق الله و أن لا يتكلم إلا بما يعلم أنه حقٌ و صدق.
و لقد أطت الأرض بالحمقى في كل سبيل ، و ما ذلك إلا بشهادة حُملها أو تحملها يوماً من الأيام ، فحدثته نفسه أنه يفهم كل شيء! و أن معه صك الحق بخوض غمار كل معضله ، و زين له الشيطان أنه صاحب فكر! فلا يسعه السكوت عن شيء مما يخوض الناس فيه ، بل يجب أن يقدح زناد فكره و يدلي برأيه!
و قديماً قالوا: ” العلم نقطة كثرها الجهلاء” ، و هو كما قيل ، لو أن كل إنسان تكلم بعلم و سكت بعلم لصار الخلاف أقل و لأصبح العلم سائداً… و لكنها شهوة التشدق بالكلام و منازعة الأراء بالحق أو بالباطل ، بعلم أو بجهل ، ثم يقول متبجحاً منتفخاً: هذا رأيي!
قال تعالى (و لا تقفُ ما ليس لك به علم) ، أي لا تتبعه.
و إن من الأسئلة التي يجب أن يقف المسلم فيها مع نفسه وقفة صادقة لا يخادع فيها نفسه: أن يقول:
” هل أنا أعلمُ هذا الأمر الذي أنا بصدد الخوض فيه أم لا أعلمه!”
و من العلم الصادق: معرفة مصادر تلقي المعرفة و تحريرها تحريراً يفضي إلى الصدق، و لا يتوهم توهماً، و يتخرص تخرصاً، بل يتخذ الصدق مذهباً!
و العبدُ الفقيرُ أحوج من على ظهرها بما خط بنانه ، و هي ذكرى له قبل غيره.
و الله من وراء القصد.
هاني حلمي