كان اسمه محمد…!

لولا العبرة من هذه القصة ما قصصتها عليكم…

في المسجد القريب من سكني بدبي، التقيت بشاب صالح ممن يعتاد صلاة الجماعة، و عند التعارف ذكرت له أنني أعمل في شركة إعادة تأمين إسلامية…

و عادة ما أزج بكلمة “إسلامية” في التعريف بعملي حتى استخرج السؤال من فم السامع…، فيسأل هل هناك فرق بين النموذج الإسلامي و غيره؟ ، و يكون هذا هو المدخل لتعريف السامع أن هناك فروقاً بين الاقتصاد الربوي التقليدي و الاقتصاد الإسلامي، و هذا ما حدث،…، فأخبرته مما علمني الله، ثم ذهب كل منا لحال سبيله.

دارت الأيام و لقيتُ هذا الب يوماً، فأخبرني أنه هو و والدته و إخوته يملكون مدرسة قد ورثوها عن أبيهم، و أن حسابات المدرسة البنكية و استثماراتها كلها في بنوك ربوية تقليدية، و أن والدته (مديرة المدرسة) في حيرة من هذا الأمر، و أنها لا تعلم هل هناك فرق بينهما!

ثم، قال لي ماذا لو جلست مع والدتي و شرحت لها هذا الأمر! ، فرحبت بالفكرة و حددنا الموعد.

ذهبتُ في الميعاد المحدد… و وجدتُ والدة صاحبي أوروبية الجنسية، كبيرة السن، لا تتكلم العربية، وقد أسلمت منذ زمن بعيد، ثم تولت إدارة المدرسة من بعد موت زوجها، و تريد أن تعرف الحق في مسألة البنوك هذه.

فاستعنتُ بالله، و شرحت لها بعبارة سهلة الفرق بين الربا و الاستثمار الشرعي الإسلامي، و الفرق بين نموذج عمل البنوك الربوية القائم على الفائدة الربوية، و نموذج عمل المصارف الإسلامية التي تتجنب الربا و الفوائد و تسعى لتقديم منتجات متوافقه مع الشريعة مثل: الوكالة بالاستثمار و المضاربة و المرابحة و الاستصناع و السلم،…، و كونها بيع و تجارة مشروعة، و ذكرت لها الخلاف في مسألة الفوائد و أخبرتها أن أدلة القائلين بجوازها { كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصفٍ} ، و فصلتُ لها الأمر تفصيلاً، و أجبت عن أسئلتها بما فتح الله.

فما كان من تلك المرأة المحترمة، إلا أن سلمت قيادها للأدلة، ثم أخبرتني في دهشة مشوبة بالمرارة، أنها قد استفسرت مرة من مسئول حساب المدرسة بالبنك الربوي عن هذا الأمر “و كان اسمه محمد!” هكذا قالت، و قد أخبرها أنه لا فرق بين بنكه الربوي و البنوك الأسلامية!

و كان مصدر دهشتها أنه قد كذب عليها مع أن اسمه محمد!!!

فيالله العجب من طيبة تلك الفاضلة و حسن ظنها بالمسلمين! ظنت أنه لن يكذب عليها لأن اسمه محمد!

انتهت المقابلة، و ذهبت لحال سبيلي …

فمكث صاحبي غير بعيد، ثم في أحد الصلوات أخبرني أنهم حولوا كل حسابات المدرسة و استثماراتها لأحد المصارف الأسلامية بدبي، و الحمد لله رب العالمين.

ثم، لما تأملتُ الأمر كله، أنا الذي أصابتني الحيرة و الدهشة، و شيء من الحسرة!

كلمةٌ عابرةٌ لشاب لا أعرفه ، و جلسة واحدة مع أمرأة لا أعرفها، ثم تسليم للحق دون منازعة و لا جدال!
سبحان من بيده تلك القلوب!

ثم فكرت في قيمة المبلغ الذي تم تحويله من النظام الربوي للنظام الشرعي، بحساب بسيط لعدد تلاميذ المدرسة و متوسط المصروفات = قد يتعدى حاجز ال 50 مليون درهم إماراتي سنوياً، أي ما يعادل 250 مليون جنيه مصري سنوياً.

و عجبتُ كيف أن غيرهم من الناس ممن يخصني أمرهم و قد جادلتهم و أكثرت جدالهم، و بذلت لهم جهدي و ماء وجهي و صبرت على شبهاتهم، ثم رجعت بخفي حنين، و بعضهم لا تتجاوز ثروته المليون الواحد!

و لا أخفيكم سراً، لقد كان في هذه الحادثه تنفيسٌ لشيء من اليأس كان قد تسرب إلى قلبي من كثرة ما لقيتُ من صدود من الناس في هذه المسألة.

و شعرتُ أن الله قد أقامني في المكان الصحيح، و أن ليس في دعوتي عيباً و لا شططاً، إنما هي هداية الله، يهدي من يشاء و يُضل من يشاء.

و يبقى في النفس حرجُ و ضيق، و في القلب ألمُ و حسرة على الصناعة المصرفية الإسلامية، و التي تهوي أفئدة فئام من الناس إليها بدافع الهروب من الربا، فإن تلك الصناعة الشريفة قد اقتربت في المضمون من البنوك الربوية، و من ذلك توسعها في المداينات على حساب الشراكة التجارية الإنتاجية، و وسد الأمر فيها لغير أهله، و قد انحرفت كثير من المصارف الإسلامية عن ما كان يحلمُ به روادها الأوائل و خيبت كثير من آمال المُصلحين، و هو أمرٌ يطول شرحه و لله الأمر من قبل و من بعد.

كنتُ أود أن أقول أنني أرشدتُ تلك المرأة الفاضلة وولدها للبديل الشرعي الكامل، و الحق أنني أرشدتهما لأخف الضررين، فأن المنكر إن لم يمكن تغييره بالكلية، فأن الواجب تقليله قدر المستطاع، و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

و صل اللهم على محمد و آله و صحبه و التابعين.

هاني حلمي.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s