منذ أيامٍ و زوجتي تفطمُ ابنتنا ليلي عن (اللهّاية)، و أنا أتابع بألم ما تعانيه الصغيرة من ألم الفراق، فقد كانت من قبل تستنيم إليها و تنام و هي بين فكيها، و أما و قد فقدتها فصارت تبكي من فرط لوعتها، و تبدل لونها و أضطرب نومها، و أراها تنظر لأمها و لو تكلمت بُنيتي لقالت لها:
وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
و لو تعلم بُنيتي المسكينة أنما لوعتها لفقد باطل و خدعة، لا تسمن من جوع، و لا تروي من ظمأ، إنما هو سراب الطعام و الشراب، و طحن الفكين للهواء!
و ما هي إلا أيام قليلة حتى اعتادت الحياة بدونها و لم تعد نفسها تنزع إليها، و ذهبت اللهّاية إلى حيث ألقت رحلها كلُ ذكرى.
و هكذا نحنُ الكبار، نتعلق بأوهام و أباطيل، لو فطمنا نفوسنا عنها سنشعر بالألم، و لكنه ألم محتمل إلى زوال.
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وان تفطمه ينفطم
و إن كان الفطامُ عن معصية الله، فإنه يعقبه لذة الطاعة و قهر الهوى و النفس و الشيطان.
كم منّا لم يُفطم عن أكل الربا (فوائد البنوك)، أو ترك صلاة الفجر، أو التدخين و الخمر، أو النظر لعورات النساء، أو الغناء و المعازف، أو الجهل و التعالم،…
و من هذا الوجه، كان أهل العلم الربانيين الذين ينهون الناس عن المنكر، و يسعون في فطامهم عن ما يضر دنياهم و أُخراهم، هم أنفع للناس من أبائهم و أمهاتم، لو كانوا يعلمون!
لقد فُطمت بُنيتي الصغيرة عن اللهّاية، و بعضُا من الكبار قد صرعته الدنيا اللهّاية!
هاني حلمي