إذا جلت بفكرك في مسالة شرعية أو عرض لك أمراً و تفكرت في حكم الشرع فيه ، ثم وقع لك إشكال في الحكم ، فهذا ما أعنيه.
و الاستشكال يكون عن علم و جهل في آن واحد!
و بيان ذلك ، أن سبب الاستشكال الشرعي هو أن المُستشكل يعرض ما وقع له من المسألة على مخزونه المعرفي و ما وعاه من أدلة الإسلام الكلية و الجزئية فلا يجد شفاءً لما وقع له ، و هذا شِقُ العلم في الاستشكال.
و شقُ الجهل بينٌ ، فانه لما استغلق عليه الأمر ووقع في الإشكال دل على نقص مخزونه المعرفي بما يسعفه لحل الإشكال ، و فوق كل ذي علم عليم.
و على ذلك فإن الاستشكال يخبرُ عن علم صاحبه قبل أن يخبرُ عن جهله!
و على ذلك يمكن تقسيم الاستشكال الى:
استشكال صحيح و استشكال فاسد.
و الاستشكال الصحيح هو ما بني على مقدمات صحيحة في العلم ، فطرف الجهل فيه جهلٌ بسيط ، يزول بعلم ما نقص على علمه الصحيح.
و الاستشكال الفاسد هو ما بني على مقدمات فاسدة في العلم أو شُبهة، فطرف الجهل فيه جهلٌ مركب، فتصحيحه مركب من : تصحيح المقدمات العلمية ثم زيادة العلم الذي يرفع الإشكال.
و إنني وجدتُ عامة الشُبهات ما هى إلا استشكالات على مقدمات فاسدة.
مثال الاستشكال الصحيح:
عند المرور بقوله تعالى ( إن هذان لساحران)
يبدأ بمقدمة صحيحة ، وهي أن القرآن عربيٌ يجري على سنن العربية ، و بعلمٍ صحيح: هو أن حرف “إن” ينصب المبتدأ.
و هنا الاستشكال الصحيح : لماذا أسم إن “هذان” مرفوع هنا! ، و قد أجاب أهل العلم عن ذلك بأجابات كثيرة ، ليس هذا موضع تفصيلها.
مثال الاستشكال الفاسد:
أن يستشكل مسلم قولنا أن عقيدة فلان و فلان من كبار رجالات الأزهر ليست عقيدة السلف في التوحيد، و صفات الرب عز و جل.
و سبب استشكاله أنه قد بني رأيه فيهم على مقدمات فاسدة مفادها أنهم معصومون، و أن مناصبهم لا يسوغ معها إلا اتباع الحق، و أنهم أعلم من فلان و فلان، و أنهم طالعوا عدد كذا و كذا من الكتب، و أن لهذه المؤسسة مئات السنين من العمر،…
و هنا يجب تصحيح تلك المقدمات الفاسدة أولاً: و يُعلم أن الرجال يُعرفون بموافقة بالحق، لا الحق يُعرف برأي الرجال، و أن عند الخلاف ليس قول أحد على أحد حجة، و إنما الحجة هي ما وافق الكتاب و السنة، و أن المنصب و الشهادة لا يلزم منهما موافقة جميع الحق في كل وقت، و أن أهل الكتاب قد ضلوا و بينهم كتب الله فما أغنت عنهم شيئاً لما اتبعوا أهوائهم و قلد الأخر منهم الأول بغير برهان من الله، فكثرة الكتب لا تعني شيئاً… و بالجملة إخراج ما لا يصلح أن يكون دليلاً على الحق من تلك المقدمات الفاسدة.
ثم بعد ذلك يُعرض عليه كتاب الله و سنة رسوله بدلالاتهما و بيانهما على محل النزاع، فإن فهم و سلم للحق فبها و نعمى عين، و إن ماحك و جادل، فأعلم أن أثر المقدمات الفاسدة لا يزال يسري في دمه، فاسأل الله له السلامة و لا تُريق ماء العلم بين يديه، فإنه أرضه لا تنبت الزرع و لا تُمسك الماء!
هاني حلمي