الثورات كلها شر و لا تأتي بخير ، فهي مخالفة صريحة لشريعة الله و سنن رسله ، و هذا أمرٌ تقرره النصوص و تؤكده التجارب ، و لا يماحك في هذا إلا جاهلٌ أو معاند.
و لكن الله بحكمته قد يجعل من هذا الشر المستطير خيراً لبعض عباده ، كما قال سبحانه { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}.
عندما أصيبت مصر بثورة يناير و طال شرها كل حي من بنيها ، كان لابد لي من مذهب أذهب إليه و أعتقده ، و كانت حياتي حينها مبعثرة أوراقها في زيجة تتفسخ، لتضع آخر أوزارها بالطلاق.
كانت معالم مستقبل أيامي مجهولة ، ثم زاد عليها معالم مستقبل بلادي ، فازداد الطينُ بله!
و كنتُ حينها هاجراً لطلب العلم ، سادراً في غيّ غفلة مطبقة، هائماً في أودية الدنيا أتقلبُ فيها مع سائمة البشر ، أأكل و أشرب و أقوم و أنام!
و من توفيق الله عز وجل و فضله أن قيض لي أخاً صالحاً دائماً ما كنتُ أعدُ رأيه للنائبات ، فدلني برفق على كتب أهل السنة المُسندة في الاعتقاد ، ثم هداني الله عز و جل و أنقذني من شيطان الغفلة الجاثم على قلبي، و أخذتُ أطالع و أبحث عن إجابة السؤال :
أي مذهب أذهب إليه في ما يجري حولي؟
ثم و كأن الصبح قد تجلى لذي عينين ، و ظهر لي من الأمر ما يجلو الشبهة و يثبت القلب ، و اهتديت للصواب في مسائل الخروج و الثورات و الديموقراطية،…، و صرتُ أدعوا لذلك أهلي و أصدقائي.
و كان من بركة معرفة الحق في تلك المسائل انشراحُ الصدر لباقي أبواب الدين و بعث الهمة من جديد لطلب العلم و تحصيل الخير ، فإن لمعرفة الحق و اعتقاده و العمل به حلاوة في القلب لا تدانيها أعظم المحسوسات حلاوة ، و من جرب عرف.
فخططت لنفسي منهجاً يسيراً ، و هو أن خلاصة العلم: فهم مراد الله و رسوله من كتاب الله و سنة رسوله، مقيداً شطحات الفهم بمجموع عمل السلف و أصولهم الكلية، و ما وراء ذلك من العلم إلا فضلة مُلح لا يسمح لها الزمان مزاحمة الأصول.
فشرح الله صدري للتفسير و أصوله السلفية ، و لسنة رسول الله و شروحها ، و من علم أصول الفقه: الصافي من كدر المتكلمين، و من مباحث اللغة: المعين على فهم الكتاب و السنة، و من الفقه ما تصح به العبادة ، و من فقه المعاملات: ما تحل به اللقمة ، و من الأدب ما يرقق الطبع و يشحذ الفكر ، و من كل فرع أصله و أعلاه المثمر.
و أنني أرجوا أن يثبتني الله عز وجل ويتوفاني على تلك الطريق، لا يهمني كم أقطع منها، كل ما يعنيني هو الثبات عليها، فإن قواطع الطريق كثيرة جداً، تكاد تخطف السالك في لحظة غفلة، فتلقيه في مهامه الضلال، و قد قل المساعد و عُدم الناصر و غش الناصح و خان الأمين، و أصبح الخلق، إلا قليلاً، لا يعنيهم إلا أمر بطونهم و فروجهم، و من أصاب حظه منهما صار يطمح لرفع خسيسة جهله بالحط من الدين و أهله، فهم يتهارشون تهارش البهائم في حظائرها، و ما عرفوا الدنيا و ما فطنوا!
أرى كل يوم صرعى الشبهات و الشهوات، بل أكاد أري مواضع مصارعهم، و أتعجب من إصرارهم على الباطل، و أقول لنفسي: لقد كنتُ أعمي فبصرني الله، و كنتُ ضالاً فهداني الله، فالحمد الله على العافية.
و الله أسأل السداد و القبول و ما توفيقي إلا بالله.
و صل اللهم و سلم على عبدك و رسولك محمد الهادي البشير و السراج المنير ، و على آله و صحبه و التابعين بإحسان إلى يوم الدين.
هاني حلمي