معيارُ الأختيار بعدد الأصوات، معايرٌ يفترض تساوي الناس من كل وجه، فالانتخاب الديموقراطي نظامٌ جائر يسوي بين صوت العالم و صوت الجاهل.
و من سنن الله في الناس أن جعل فيهم عقلاء حكماء و جعل فيهم سفهاء و حمقى، و لكن الديموقراطية تساوي في الرأي بين العالم و الجاهل، و الراشد و السفيه، فصوت هذا يساوي صوت ذاك!
و من مفاسد التصويت الشعبي الديموقراطي غياب المصلحة العامة في اتخاذ القرارات ، و غلبة العاطفة و العصبية، فالذي يملك تحريك مشاعر الناس يملك رأيهم، و يفقد كل فرد عقله إلى صالح العقل الجماعي، و الذي هو في الحقيقة عقل أخر يوجه تلك القطعان إلي ما يريد ، و قد قرر ذلك بعض الاوروبيين مثل جوستاف لوبون ، و من شاء فليطالع كتابه ” سيكولوجية الجماهير”.
و من باب الترجيح الكمي المجرد، فإن في منطق العقلاء لو أن جماعة من الناس انقسموا في أمر ما مناصفة على التقريب، 47.6 % – و 47.5% ، مثل ما حدث في اختيار المتغطرس المترف دونالد ترامب، كيف يكون الصواب في أحدهما! فهذا يدل على إنقسام الرأي و أنه لابد من مرجح أخر غير عدد هؤلاء و عدد هؤلاء!
و في الديموقراطية دعوةٌ للنفس و تزكيةٌ لها و تحسينٌ لحالها، صدقاً أو كذباً من أجل الكرسي، بل فيها تشهيرٌ بالخصم و تتبع عوراته و نشر فضائحه و معايبه، و تقطيع الناس أحزاباً يتربصون ببعضهم الدوائر، و يتناصرون و يتعادون في الكراسي.
و في الديموقراطية تبذير لللمال في الدعاية، و كذلك فتحُ الباب لعمل المال السياسي، في كافة صوره من أجل ترجيح أحد الخصمين.
و هذا النظام يلائم أعداء الرسل الذين نبذوا الأديان وراء ظهورهم و اتبعوا أهوائهم، فهم يشرّعون لأنفسهم ما يهوون، فيحلون ما حرم الله و يحرمون ما أحل الله، فيحلون الزنا و الربا و شرب الخمر و اللواط، و إن حرمته عليهم الأناجيل فإنهم يحلونه! فتكون كلمة الشعب هي العليا و كلمة الله هي الأخرى، فالديموقراطية بنت العلمانية بنت الإلحاد.
أما في دين المسلمين الذين هم أعقل من ذلك و أهدى، فإن كان في اختيار الحاكم سعة، فأهل الحل و العقد هم أهل المشورة، يختارون الأصلح للقيام بسياسة الأمة بكتاب الله و سنة رسوله، و باقي الناس لهم تبع، و في حال السعة قد شرط أهل العلم من المسلمين شروطاً مثل (العلم، العدالة، الأمانة،…) و ليس منها مجموع أصوات الناس من العامة و الدهماء!
و يخلط كثير من المسلمين في تنزيل أحكام اختيار الرؤساء بين حالة الاختيار و السعة و حالة الاضطرار و الغلبة ، يريدون أن ينزّلوا أوصاف الاختيار و السعة على صفات المتغلب! و هذا من غبن الرأي و فساد العقل! فلكل حالة لبوسها.
و باب السياسة الشرعية و الإمامة في الشريعة الإسلامية هو من الأبواب المشتركة بين الفقه و العقيدة، و لو انتشر في الناس القليل من قواعد هذا العلم، لما قامت الثورات و اضطرمت بنيرانها الحروب، و لخمدت الفتن و قل الجدل،..، و الله غالبٌ على أمره.
هاني حلمي