الكلام المرفق من هامش في التعليق على كلام الشيخ محمود محمد شاكر من المقدمة التي وضعها في نشاة اللغة و النحو، و هي ملحقة في مقدمة كتاب شرح الأشموني على ألفية ابن مالك في النحو، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
و لا أعلم هل هذا التعليق هو من كلام (المحقق) الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد أم من كلام الشيخ محمود محمد شاكر، رحمهمها الله تعالى، و هي من كلام الأول أقرب.
قلتُ (هاني):
و ليت الأمر اقتصر على التقليد ، فهو جائز في حق من لم يستطع النظر أو من اضطر إليه، غير باغ و لا عاد.
و لكن المصيبة هي في من يقلد ثم يولد العلل لينصر قول من قلده، فهو مقلد في حلة مجتهد، فهو يبحث في الأدلة لينتصر لقول من قلده! و هذا يشتبه أمره على الناس، و هذا الفتنة به أعظم.
ثم إن كثيراً من الناس ليستعظم أن يقع الخطأ من إمام معظم أو شيخ مبجل، فيلتمس له العلل بالباطل، و يقلب وجه الأدلة لينتصر له، و هو مع ذلك يظهرُ في ثوب باحث في الأدلة عالم بدلالاتها، و الواقع أن النتيجة محسومة عنده، و ما البحث و الأدلة إلا فرع عن الأصل الذي اعتقده!
و في هذا الصدد قال الشوكاني رحمه الله تعالى، في فتح القدير عند قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام : { أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ } :
“أي، أرني نفسك أنظر إليك: أي سأله النظر إليه اشتياقاً إلى رؤيته لما أسمعه كلامه. وسؤال موسى للرؤية يدلّ على أنها جائزة عنده في الجملة. ولو كانت مستحيلة عنده لما سألها. والجواب بقوله: { لَن تَرَانِى } يفيد أنه لا يراه هذا الوقت الذي طلب رؤيته فيه، أو أنه لا يرى ما دام الرائي حياً في دار الدنيا.
و أما رؤيته في الآخرة فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواتراً لا يخفى على من يعرف السنة المطهرة، والجدال في مثل هذا والمراوغة لا تأتي بفائدة، ومنهج الحق واضح.
ولكن الاعتقاد لمذهب نشأ الإنسان عليه وأدرك عليه آباءه وأهل بلده، مع عدم التنبه لما هو المطلوب من العباد من هذه الشريعة المطهرة يوقع في التعصب، والمتعصب وإن كان بصره صحيحاً فبصيرته عمياء، وأذنه عن سماع الحق صماء، يدفع الحق، وهو يظنّ أنه ما دفع غير الباطل، ويحسب أن ما نشأ عليه هو الحق، غفلة منه وجهلاً بما أوجبه الله عليه من النظر الصحيح، وتلقى ما جاء به الكتاب والسنة بالإذعان والتسليم.
وما أقلّ المنصفين بعد ظهور هذه المذاهب في الأصول والفروع فإنه صار بها باب الحقّ مرتجاً، وطريق الإنصاف مستوعرة، والأمر لله سبحانه، والهداية منه:
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ومنهج الحق لـه واضح”
اللهم أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه.
هاني حلمي