قال تعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف : 26]
لقد منّ الله على بني أدم و أنعم عليهم بالثياب التي تواري عوراتهم، فمن لم تقبل بذلك من إناث بني آدم و أبت إلا التجول كاشفة عوراتها لكل ناظر فقد رفضت منة الله و أبت إلا أن تتشبه بالبهائم في حظائرها، و قد نزعت عنها من آدميتها بقدر ما تنزع للناس من لباسها، حتى تتعلق بالإنسانية بخيط رفيع قدر ما يستر من عوراتها.
هؤلاء الكاسيات العاريات التي تعج بهم أسواق المسلمين و طرقهم علامة ذل و خذلان لهذا الجيل من المسلمين، و إننا لذائقون من عذاب الله بقدر تفريطنا في ديننا و عرضنا، كلنا ذائقون، كلٌ بحسب جرمه و تفريطه، إن لم تكن شعوب المسلمين قد ذاقت بعض العذاب بالفعل، فإن العذاب سماوي و أرضي، الأول بالقحط و الغلاء و نقص الأرزاق، و الثاني: بالحروب و الثورات و الفتن… و إني لا أُحملهن كل الذنب مع أنهم يدخلون دخولاً أولياً في أسباب انحطاط المسلمين.
قال تعالى:
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال : 25]
وقد روى البخاري في صحيحه عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء”.
و قديماً قال الشاعر يصف محبوته:
فما بالنا لا نرى في طرقنا و أسواقنا إلا إناث شياطين عراة كأنما كان الجحيم مسكنهم و جاءت الناس للإغواء و الفتن!
و بالطبع من كانت على شاكلة حبيبة شاعرنا، لا تُبتذل و لا تتعرى، فهي قرة عين و جوهرة مصونة محفوظة من أعين المتطفلين مكسوة بلباس التقوى، تزور دنيا الناس ثم تعود لمسكنها الأول، و قليلُ ما هم!
و إن ما يبرزه تلك النسوة جمالاً للناظرين، فهو قبيح بشع للمُبصرين!
فتأملوا..
كيف هو بياض البشرة بعد أن تلفحه جهنم!
و كيف هي النعومة بعد شي الجلود!
و كيف هو القوام بعد الشراب من حميم!
و كيف هو الخصر بعد طعام لا يسمن و لا يغني من جوع!
و كيف هو الشعر بعد صب الحميم فوق الرؤوس!
و كيف هي الشفاة بعد كلح النار للوجه!
و كيف هو النعيم بعد سخط الله و لعنته!
هذه هي الصورة البشعة التي أري بها تلك الحسناوات التي يلوي لها كل مخذول عنقه، فهل فيها ما يُشتهى بعد ذلك!
إنما عميت بصائرهن و بصائر أوليائهن الذين تركوا تلك البهائم عارية ترتع بين المسلمين، تُلهب نيران شهواتهم فتأكل حسناتهم، و ينكبوا على كل حسنة المنظر، ملعونة الروح، مريضة القلب، سفيهة العقل.
أين ذهب الحياء في هذا السعير الشهواني المتأجج، و الله إنني لم أرى هذا الفحش بالعري في أسواق الكفار في عقر ديارهم، فكيف يقبل المسلمون بأنثى تمشي بينهم في شوارعهم و أسواقهم كاشفةً عن فخذيها، مبرزة نهديها، تمشي بينهم لا تخشى الله و لا الذئب!
فهي أمنة مطمئنة مفتحة لها الأبواب حانية عليها الأنظار!
ليس للمسلمين بدٌ في بلاد المسلمين من دخول الأسواق و ممارسة الأعمال، فإلى متى تبقى تلك الدمى العارية بيننا تؤذي الصالح و تُغري الطالح!
لقد وضعنا قانوناً لكل شيء… المرور، التدخين، التجارة، العبادة!،…، أفلا نضع قانوناً للحياء! أم أن تلك الدمى العارية هي وقود الأسواق و قانون الجذب الإستهلاكي و نكهة الصفقات و الأعمال!
و ذراً للرماد في العيون، قد تجد هذه التعليمات الباهتة على أبواب الأسواق و المجمعات التجارية! بلا ألية تنفيذية لمنع المتسوقات من كشف ما تحت الكتف و ما فوق الركبة، إنما هي نصيحة!
اللهم إني أبرأ إليك مما دون الوجه و الكفين…
إن الفتنة بالنساء ليست كغيرها من الفتن، فإن المفتون بهن مخدرٌ عقله لاه قلبه، غافلٌ عن ما ينفعه، مكبٌ على ما يفسده… قد سخر كل نعم الله عليه لتحصيل شهوة لا ينال منها إلا كما ينال النائم في منامه، و يريق ماء الحياة في مهاوي الهلاك، ثم تتبخر الشهوة و يبقى الإثم و الحسرة لطلب الزيادة… حتى تبلغ الفتنة سويدأ قلبه فيصير أسوداً لا ينفذُ فيه نور الحق و لا يعرف معروفاً إلا ما أُشرب من هواه، و هذا هو مرض القلب على الحقيقة…
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مُسْتخْلِفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” رواه مسلم.
و فتنة النساء من فتن الدنيا، و إنما خُصت بالذكر من باب ذكر الخاص بعد العام، و ذلك لعظم خطرها و زيادة التنبيه عليها، و الاهتمام بها، فإنها و الله حُمى القلب و سُكر الروح.
فإن المفتون بالنساء لا تنفك عنه فتنته بهن في حال من الأحوال ، فقره إليهن ماثلٌ بين عينيه أينما يوجه بنظره و خواطره و قلبه ، يسرى في روحه سمُ فتنتهم فيتخدر قلبه و جوارحه ، و يستكين إلى هلاك اللذة المحرمة…
ثم ما المخرج من تلك الفتن؟
قال تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : 31]
الشرع قد سد كل طريق للوقوع في تلك الفتنة، فأمر الله بالصبر، و هو يشمل الصبر على نيران الشهوات، و الصبر على أقدار الله المؤلمة مثل الفقر الذي يمنع من النكاح، و قد أمر الله المؤمنين و المؤمنات بغض أبصارهم ، فإن البصر هو أول منازل الفتنة، فغض البصر هو حماية للقلب و صيانة له من أن يشتهي ما لا صبر له عليه و لا وسيلة لتحقيقه ، و الله لا يأمر إلا بما يُصلح الإنسان و يحفظه من التلف.
و اذا استعان المسلم بالله أعانه و سدده و يسر له سبل النجاة من تلك الفتنة و شرح صدره لما ينفعه و صرفه عن ما يعود عليه بالضرر في الدنيا و الأخرة.
و أيمُ الله إن الراحة في الإستقامة ، و الشقاء في معصية الله.
هاني حلمي
تعقيب: عشق القلب صورة الزنا و المومسات! | هاني حلمي