يقول الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه:
” يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم”
و إن من أعظم نعم الله عز و جل هدايته العبد للأصول التي بها يتميز أمام عينيه الحق من الباطل.
ولا يعني ذلك أن من هُدي للأصول فانه يُوفق لإصابة الحق في الدين في كل مسألة ، فليس ذلك لأحد إلا للرسل، على تفصيل في ذلك لا يسع المقام ذكره.
و من هُدي إلى الأصول و تعلمها، إذا ذُكر تذكّر، وإذا أخطاء ردته الأصول الي الصواب ، فيكون خطأه عن غفلة و رجوعه الى الحق عن علم.
أما من حُرم الأصول فأنه يحرم الوصول، وتكون إصابته عن جهل، و خطأه عن جهل، و انتقاله من قول الى قول هو بمحض الهوى و وساوس الشياطين، فلا أصول يطمئن لها القلب حتي تظبط بوصلته في معرفة الحق.
فأن قال: فطرتي تهديني.
قلتُ: وما ادراك أن فطرتك سليمة كما كانت أول الخلق!
وإن قال لي عقل يميز.
قلتُ: و العقول تتفاوت ، و ما أدرك أن عقلك من النوع الممتاز!
فلابد من معرفة ما جاءت به الرسل ، و هو تصحيح ما أنحرف من الفطرة ، و تتميم ما نقص من العقل.
و كل إنسان بحاجة ماسة الى الهداية لمعرفة ما أنزل الله و ما جائت به رسل الله ، و كلما نقصت معرفته منهما انحرفت فطرته، و نقص عقله و فسد ذوقه، و بات في حيرة و شك و تردد ، تزلزله الخطوب و تذهب به مقالات الناس كل مذهب!
و الإنسان في فقر لازم إلى هداية الله العامة منهج معرفة الحق، و هدايته الخاصة في تحبيب الحق إلي قلبه و إيثارة على غيره من الاراء و الشكوك، و طرد التردد في قبوله.
فالهداية مراتب منها:
هداية الى حب طلب الحق.
و هداية الى معرفة كيفية التوصل للحق.
و هداية حب الحق بعد معرفته.
و هداية الثبات على الحق و عدم الارتياب فيه.
و هداية التوفيق لدعوة الناس للحق.
و هداية الموت على طريق الحق.
و لا يرتاب أهل السنة في أصولهم و لا منهجهم في معرفة الحق، ذلك أنه بُني على تعظيم النصوص و الرد إليها عند التنازع، فتجدهم أقل الناس اختلافاً و أكثر الناس أصابة للحق ، و من جرب عرف.
أما أهل الأهواء و الريبة في النصوص ، فبسببهم كثر الخلاف و الشقاق و تكدر صفو الحياة، فلا تكاد تجد أحداً إلا و قد تركوا في قلبه شبهة أو ريب في طريق معرفة الحق، فهُم السوس الذي ينخر في أصول ملة الأسلام، و هم أصل كل بلية.
اللهم توفني على طريق الحق، و أنت راضٍ عني، غير مبدل و لا مفتون و لا مرتاب.
هاني حلمي