مؤتمر الضِرار الذي عُقدَ في الشيشان…!

كتبت هذه الكلمات على الواجّوه (فيس بوك) تعليقاً على المؤتمر الذي عُقد في الشيشان في 25 أغسطس 2016، بعنوان “من هم أهل السنة؟” ، فقلتُ:

جاء في البيان الختامي لمؤتمر الضِرار الذي عُقدَ في الشيشان:

(أهلُ السُّنَّة والجَماعةِ هُم الأشاعرةُ والماتريديَّةُ في الاعتِقادِ، وأهلُ المذاهِبِ الأَربعةِ في الفِقهِ، وأهلُ التصوُّفِ الصافي عِلمًا وأخلاقًا وتزكيةً)

و لا يسع مقام الكتابة في الواجّوه (الفيس بوك) تبيين الفرق التفصيلي بين عقيدة أهل السنة و عقيدة طوائف المبتدعة من الأشاعرة و الماتريدية و سائر طوائف المتكلمين… و لكن المقام مقام الإشارة إلى رؤوس أقلام في التعليق على تلكم الجملة الشنيعة و الأفك المبين، إنما أريد بيان عوارها من طريق كلي يستفيد منه طالب العلم وغير طالب العلم، نصحاً للمسلمين و بياناً للحق، فإن الدين النصيحة:

أقول مستعيناً بالله،

ماذا كانت عقيدة أهل السنة قبل أبو الحسن الأشعري المتوفى سنة 324هـ ، و أبو منصور الماتريدي المتوفى سنة 333 هـ؟ بما في ذلك عقيدة الأئمة الأربعة: مالك و الشافعي و أبو حنيفة و أحمد، و عقيدة أصحاب رسول الله و التابعين لهم بإحسن؟ فإن من الممتنع شرعاً أن يتفرد الخلف بالحق، إذ كلما كان العصر أقرب للنبوة كان أشرف و أعظم من حيث الجملة، و هل يسع ثلة من المنتسبين للعلم في القرن الخامس عشر الهجري أن يُخرجوا من أهل السنة أهل القرون المفضلة الأولى في الإسلام؟ وإلا لزمهم القول أن سلف الأمة كانوا أشاعرة أو ماتيريدية، وهذا محض افتراء.

ثم أي عقيدة هي عقيدة الأشاعرة و الماتيريدية! ، هل هي عقيدة متقدميهم: كأبن كلاب، والأشعري، وكبار أصحابه كأبي الحسن الطبري، وأبي عبدالله بن مجاهد الباهلي، ثم من بعدهم كأبي بكر الباقلاني وأبي إسحاق الإسفرائيني… أم هي عقيدة متأخريهم كأبي المعالي الجويني والرازي وأبي حامد ونحوهم، علماً بأن بينهم فروقاً كبيرة منصوصاً عليها في كتب القوم، فإن المتأخرين يميلون للتجهم في باب الصفات، فأي الفريقين هم أهل السنة!!

و كيف يمكن عقلاً أن يكون الرجل من أهل السنة في الاعتقاد بكونه أشعرياً أو ماتريدياً، و بين الأشعري و الماتريدي خلافاً حقيقياً في مسائل كبيرة، مثل الخلاف في التفريق بين صفات الذات وبين صفات الفعل، و الخلاف في مسألة التكليف بما لا يطاق، و الخلاف في حكمة الله من الفعل، و الخلاف في إنفاذ الوعد و الوعيد، و الخلاف في التحسين و التقبيح العقليين ، و الخلاف في هل معرفة الله تعالى: هل هي بالعقل أم بالسمع، و الخلاف في زيادة الإيمان و نقصانه، و الخلاف في مسألة خلق أفعال العباد، و أختلفوا في متعلق الصفات هل هو الإمكان أم القدرة،… وكثير غير ذلك مما يعد اختلافاً في الأصول، فكيف يصح أن يكون الرجل من أهل السنة بأحد المذهبين المختلفين! كيف ذلك! و إن سلّمنا بالخلاف في الفروع (الفقه) فهل يسوغ هذا التفرق في الأصول (العقيدة) بين أرباب اللقب الواحد ” أهل السنة”!!!

وبمثل ما تقدم يقال في الخلاف داخل مذهب الأشاعرة نفسه بين كل طبقة، و بين الماتيريدية في كل طبقة، فبأي هذه الأقوال يصير الرجل من أهل السنة! نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ!

و يُفهم من هذه المقالة الشنيعة بطريق التلميح و التلبيس أن عقيدة الأئمة الأربعة توافق عقيدة الأشعري و الماتريدي، إذ كيف يكون الرجل من أهل السنة و هو يتابع الأربعة في الفروع (الفقه) و يخالفهم في الأصول (العقيدة)! فهل يسع هؤلاء المؤتمرين إثبات أن أحداً من الأربعة قال بقول الأشعري أو الماتريدي! بل يلزمهم أن يثبتوا أن الأربعة على عقيدة الأشعري أو الماتيريدي، و دون ذلك خرط القتاد.

و بالجملة، فإن طريقة المبتدعة في تقرير عقائدهم أنهم ينصبون رجالاً متبعوين و يعقدون علي إتباعهم الولاء للموافق و البراء من المخالف، انظروا كيف جمعوا أهل السنة في طريقة سبعة رجال- الستة المذكورين و الجُنيد- و عقدوا عليهم لواء أهل السنة!

و الحق الذي لا مرية فيه أن الرجل يصير سنياً بإتباع السنة، لا باتباع فلان و فلان، فلا أحد من هذه الأمة من المعصومين إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم، و من عداه يؤخذ منه ما وافق فيه السنة و يرد عليه ما خالف فيه السنة، فلم يأمرنا الله في كتابه عند التنازع بالرد إلى قول فلان أو قول فلان، بل أمرنا بالرد للكتاب و السنة، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء : 59] ، و لازم ذلك أن بيان القرأن و السنة يصلح الرد إليه في كل تنازع يحصل في شيء من أمور الدين، بل و الدنيا إن شئت.

هذا ما يسر الله تقييده و قليله يدل على كثيره، و الله من وراء القصد، و حسبنا الله و نعم الوكيل.

هاني حلمي

وقد علق على هذا المنشور شيخي الشيخ عمرو فهمي قائلاً:

الزمن عندهم يبدأ بعد القرن الرابع حتى قال لي أحدهم وهو عمرو الورداني أحد تلاميذ علي جمعة وكان من مشايخي يومها يا عمرو كل العلماء بعد القرن الرابع أشاعرة صوفية فالمبتدع اليوم من لم يكن أشعريا ولا صوفيا.

فعلقت قائلاً:

كنتُ اتابع سجالات الهوية الأشعرية في السنين الماضية، و كان جل أمانيهم إلصاق أنفسهم بأهل السنة، اليوم يدندنون بالتفرد باللقب، حتي إذا فند أهل السنة زعمهم، تنازل الأشاعرة و قالوا لا بأس، أنتم ايضاً من أهل السنة معنا!

و كتبت في منشور أخر عن نفس المؤتمر:

و أهل السنة الذين هم من أهلها منصورون بالحجة و البيان و البرهان الساطع، و هم الذين عضوا بالنواجذ على الأمر الأول و قاموا بحق الله علماً و عملاً و اعتقاداً و سلوكاً في كافة أبواب الدين، وقت السلم و الأمن و وقت الفتن و الثورات، و ما بدلوا تبديلاً، ليسوا بحاجة لمؤتمرات و مؤامرات لتقرير عقيدتهم، فهم الجماعة و هم السواد الاعظم و هم أهل الحق.

و لو أراد رجلٌ من أهل السنة أن يقرر عقيدته لطفل أو حديث إسلام، لفعل ذلك بكلمات يسيرة في دقائق معدودة، دون شك ولا حيرة ولا طلاسم و لا ألغاز، عقيدة تدخل القلب و تشرح الصدر، و كذلك سيفعل أى رجل من أهل السنة في مشارق الارض و مغاربها، كلهم سيقررون نفس العقيدة.

خلافاً للمتكلمين من الأشاعرة و الماتيريدية و الكلابية و المعتزلة و الجهمية … و سائر تلك الطوائف الضالة، فانهم مختلفون في عقائدهم، يخالفون بعضهم بعضاً، مختلفون فى الكتاب و السنة، مخالفون للكتاب و السنة، …، لو طلبت من أحدهم أن يقرر لك عقيدته لأمطرك بوابل من الفلسفة، يصد الصغير و يشكك الكبير ، و لربما جعل حديث الإسلام يرجع عنه!

و من أراد أن يفهم ذلك المعنى من طريق أخر فلينظر في كتاب تمهيدي للمبتدئين عند كلا الطرفين، على سبيل المثال “تحفة المريد على جوهرة التوحيد” للباجوري المقرر في الأزهر، و كتاب “لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد”، لابن قدامة المقدسي، المتداول في أيدي أهل السنة.

عجبتُ لقومٍ يسعون للقب أهل السنة كما يسعى الملاكم للقب الوزن الثقيل ، و كما يسعى الذئب ليسميه الناس أسداً!

إن المسميات لا تغني من حقيقة المسمى شيئاً، و إن كانوا استطاعوا استخفاف عقول بعض الناس بعض الوقت، فإن الحق سيعلو و سيزهق باطلهم، و سيدمر الله ما صنعوا.

و كتبتُ أيضاً:

لقد أطربني البيان الختامي لهذا المؤتمر، و أنعش في قلبي الأمل …
نعم، كما أقول لكم…بل كنتُ سعيداً مؤملاً في قضاء الله خيراً.

قال رجل للإمام سحنون: البدعة فاشية، وأهلها أعزاء!
فقال سحنون: «أما علمت أن الله إذا أراد قطع بدعة أظهرها!»
كما في [ترتيب المدارك للقاضي عياض 72/44] و سُحْنُون هو الإمام العلامة , فقيه المغرب صاحب ” المدونة “

وقال الحسن البصري: “إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، إن ذل المعصية في رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه” ، و البدعة أعظم من المعصية كما هو معلوم.

لعل هذا من ظهور ما قبل القطع و من عز ما قبل الذل، و الله قدير.

و أخيراً كتبتُ:

مؤامرة الشيشان فيها خير لأهل السنة!
فمن كان لا يعلم شيئاً عن عقيدة أهل السنة صار يسأل عنها:
إما طلباً لمعرفة الحق، أو بغضاً للمؤتمرين و شكاً في بيانهم، أو ليعرف من هؤلاء الذين ينبغي أن يقلد اعتقادهم ليصير من أهل السنة!

كما قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:

14202731_10153649044816577_5024387505807151093_n.jpg

هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s