رأسُ الأدبِ عندنا أن يعرفَ الرجلُ قدره…!

من ثمرات الأدب المنظبط بظوابط الشرع ، تطويع الألفاظ و المعاني لتأدية غرض المتكلم عند الكتابة في مسائل الدين، دون أفراط و لا تفريط، فيقطعُ الألفاظَ على قدرِ المعاني، فلا يُحق باطلاً و لا يُبطل حقاً، و ينتقي من الألفاظ ما يناسب غرضه.

فهذا مع الأخلاص أدعى للقبول ، فإن المُتأدب يُلبس المعاني الشرعية الصحيحة حُللاً من الألفاظ العذبة البليغة ، فيجمع للقارئ سلامة المعنى و بهاء اللفظ… نورٌ على نور.

و كثيرٌ من علماء الشريعة قد عنوا بالأدب ، و ترى ثماره يانعة على صفحات كتبهم في كافة أبواب الشريعة، و هؤلاء أقدر من غيرهم على تبليغ معاني الشريعة و دقائق غوامضها و أسرارها بأحسن وجوه البيان و أقربه للعقول النيرة و الأذان الواعية ، و أنظروا إن شئتم في علم الشافعي و ابن قتيبة و الخطابي، …، و غيرهم كثير.

قال العلّامة الطناحي في مقال له، في مجموع مقالاته ص 181:

“كان الأدب ولا يزال خير سبيل لإيصال المعرفة, وسرعة انصبابها إلى السمع, واستيلائها على النفس, والبليغ يضع لسانه حيث أراد, ويمهِّد لنفسه طريقًا إلى كل قلب, وإنك لتجد كثيرًا من الدراسات قد جمعت فأوعت, لكنها لم تبلغ مبلغها من النفع والفائدة لجفافها وعُسْرها وتجافيها عن الأدب…”

و ينبغي التنبيه على أن الأصل هو سلامة المعني و رجحانه في الشرع ، و سلامة معتقد المتكلم، و إلا فإن البلاغة مع الضلال ظلماتٌ بعضها فوق بعض، فإن شباك الغواية مع حُسن اللفظ أوسع، و العالقون بها أكثر.

و من أمعن النظر في العلم، وجد أن سادة الأدباء و البلغاء بعد الأنبياء هم أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم، فإن أدبهم كان مقروناً بالعمل ، فكانوا يتكلمون قليلاً و يعملون لله كثيراً ، و هذه هي ذروة سنام الأدب.

قال الفضيل بن عياض، رحمه الله تعالى، في المنتخب من معجم شيوخ السمعاني ص( 668):

“رأسُ الأدبِ عندنا أن يعرفَ الرجلُ قدره”

و صل اللهم و سلم على من أوتي جوامع الكلم و اختصر له الكلام اختصاراً، نبينا محمد، و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً.

هاني

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s