سألني ولدي عمرو سؤالاً أعجبني!
قال: لماذا ضيق الله على المرأة في لباسها و خروحها و كلامها، في حين أنه وسع على الرجل في لباسه و خروجه و كلامه!
و لعلمي بما يدور في رأسه، أعجبني تنبهه لهذه الفروق و أنها من وضع الله عز و جل، و لا بأس أن يسأل عن الحكمة أو العلة من ذلك، و عمرو قد ناهز سن البلوغ و ظهرت عليه علاماته.
فقلت له برفق و صدق: يا عمرو إن المرأة لتُشتهى، يشتهيها الرجل، فإن لبست و خرجت و تكلمت مثل الرجل طمع فيها الرجال و أذوها، و الله لا يحب لها ذلك و يريد أن يحافظ عليها و يحميها، فأمرها بالحجاب و لزوم البيوت و خفض الصوت و السفر مع محرم،…، من أجل حراستها و حمايتها.
و قلت له: ألا ترى التي تخرج من بيتها محجبة هل يعترض لها أحد أو يضايقها أحد! فهي بسمتها تقول للناس لا تتعرضوا لي فلست أطلبكم فلا تطلبوني.
و الأخري العارية التي تخرج متزينة مبرزة لحمها للناس، ألا ترى أنها تدعوهم إلي نفسها و تطلبهم لينظروا إليها، ثم تشتكي المضايقات! ألا ترى أنها كاذبة فاجرة! فوافقني عمرو و قال: نعم معك حق.
ثم قلت له: و اللهُ قد أمر الرجل بالسعي للزرق ليطعم نفسه و زوجته و أولاده، فناسبه أن يتخفف في لباسه و خروجه و يتحرر في كلامه، فشعره ليس عوره و لا كتفه و لا ذراعه ولا رجله، و له أن يرفع صوته و يسافر وحده، وينام وحده، لان ذلك يناسب طبيعته التي خلقه الله عليها، فأعجب عمرو كلامي و بدا مقتنعاً مزهواً بكونه أصبح رجلاً!
ثم، وضعت عمرو في قضية التوحيد، فقلتُ له: ألا ترى أن الناس و الحيوانات و الطيور متشابهة من حيث كونها ذكراً و أنثي و كل منهم له دور، و هذه الأدوار تتشابه! ألا يدلك ذلك أن خالقها جميعاً واحد، لانه وضعها على نظام واحد متشابه!
فقال عمرو: نعم، الله خلقهم جميعاً و لكن الكفار سيقولون صدفة!
قلت له: هل تحدث الصدفة بين مئات الألاف من الأنواع!
قال: لا، و رأيته منتشياً بالحُجة، فعلمتُ أنه فهمها.
و هذه الأخيرة تعلمتها من طريقة شيوخ الحجاز، فإنهم في فتاوهيم لا يفتأون يذكرون التوحيد ولو كان المستفتي يسأل في الحيض والنفاس، و لذلك رفع الله ذكرهم، وصرف قلوب الناس إليهم.
منذ أن ناهز عمرو البلوغ وتنبهت لذلك، و أنا أتبع معه مبدأ الحوار الصريح، أحاوره كالكبير الراشد، و خصصت وقتاً لذلك، وهو الوقت الذي نمشي فيه سوياً من البيت للمسجد ذهابا و إياباً، فلو صلينا ثلاث صلوات في المسجد و الطريق يستغرق خمس دقائق، فمجموع ذلك ثلاثون دقيقة في اليوم، و خلاف ذلك لا أسمح له بالسؤال و الحوار حتي لا يسأل في كل كبيرة و صغيرة.
و لاحظت بالتجربة أن الاهتمام بحوار الولد البالغ يزيد في عقله و يحسن سلوكه، و أن تجاهله يؤدي إلى تمرده و عصيانه حتى يلفت أنظار من حوله إليه و لو بالصراخ و الصياح عليه.
في عالمنا المسعور بالشهوات والشبهات، لا مجال للبناء على برأة الطفل الأصلية، فالكل مخترق مُعلم من المدرسة و التلفاز و الأصحاب، بل إن بعض الأهل يجاهرون بالفسق أمام أطفالهم، فيُعلمُ الطفلُ الطفلَ، فينبغي تنبيه الأطفال البالغين بالحسنى وطرق المواضيع الساخنة معهم بمطرقة العلم و الدين قبل أن يتلقاها بمطرقة من لا خلاق لهم.
و الله المستعان،
هاني حلمي