سلطان الدين و سلطان الهوى…!

كثير من المسائل التي يشتد فيها الخلاف بين الناس في جزئياتها و كلياتها لا ترجع في العادة إلى سوء تصور المسائل أو الجهل بحكم الله فيها ، إنما يرجع الأمر في كثير من الأحيان إلي قوة سلطان الدين أو سلطان الهوى و أثر كل منهما في الاختيار!

يقوى سلطان الدين و يظهر أثره على القلب و الجوارح كلما تعلم الإنسان عن ربه و شريعته ، علمُ الذي على يقين أن لا نجاة له إلا بهذا العلم ، علم من يتعلم لحاجته للعمل بما علم، و ليس علم الأوراق و الامتحانات الذي يمر ببعض أهله كأن ما من علم مسه!

و يقوى سلطان الدين إذا أخذ المرء نفسه بنصوص الكتاب و السنة ، مستشرحاً لمعانيها شارحاً بها صدراً، صادراً عنها و وارداً ، محتفياً بها احتفاء الذي رُزق البصر من بعد العمى أو كالذي وجد الطعام و الشراب قُبيل أن يهلك.

أما سلطان الهوى فهو شعبٌ كثيرةٌ و مسالك، و يقوى إذا سلم الإنسان نفسه للتوهم ، و التوهم مفضٍ إلى كل شر.

و يقوي سلطان الهوى و يتعاظم إذا ذاق المرء طعم نفسه ، و هيأت له نفسه أنه صاحب رأي و فكر ، فلا يسعه السكوت عن شيء ، فهو يزن الأمور بعقله الراجح السديد الذي لا يأتيه الباطل ، و عنده الناس مصنفة ، لا يمكنهم الخروج عن تصنيفة المحكم!

و قد يستحوذ الهوى على النفس الغافلة عن قدرها الحقيقي ، حتى يصير هواها إله يعبد و رب مُطاع ، حتى يجري الباطل على قلبه و لسانه جرياً و هو يظن أنما تقطرُ الحكمة من أركان نفسه قطراً!

و حتى العلماء الذين ينظرون في أدلة الشرع لا يسلمّون من سلطان الهوى، إلا من رحم ربي ممن تجرد للحق و أثره على هوى نفسه، قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات:

” … و إذا صار الهوى بعض مقدمات الدليل لم ينتج إلا ما فيه اتباع الهوى…”

اللهم أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه.

و صل اللهم على محمد و آله و صحبه و سلم.

هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s