لكل علم مفردات هي مصطلحاته و ألفاظه التي تحمل معانيه ، و هذه المفردات هي كلماتٌ عربية و لكنها تدل على معنى اصطلاحي مخصوص في العلم، بينه و بين المعنى اللغوي قدرٌ مشترك.
لذلك عند التعريف في مبادئ العلوم ، تجد المعنى اللغوي و يليه المعنى الاصطلاحي ، و على المُتعلم أن يلاحظ القدر المشترك بين المعنى اللغوي و المعنى الاصطلاحي ، فإن الاصطلاحات لم تطلق عبثاً و إنما لجامع مشترك بين اللغه و مدلول الاصطلاح.
و قس على ذلك الكلمات الإسلامية التي وردت في الكتاب و السنة ، فإن العرب كانوا يعرفونها لأنها من لغتهم ، و لكن الشرع وضع لها معانٍ شرعية قد خُصت بها عند الإطلاق في سياق الشريعة.
مثل: الزكاة ، لو سمعها عربيٌ جاهلي لقال: زكا الشيء نما أو طهر ، أما المعنى الشرعي فقد خصص اللفظ بعبادة مخصوصه في المال ، و القدر المشترك بين اصطلاح الشرع و أصل الوضع اللغوي هو أن فعل الزكاة ينمو به المال أو أن الزكاة تنمو عند الله ، و أن الزكاة طهرة للمال فهي أوساخ الناس، أو طهرة للصائم ، كما ورد في الأثار و هكذا.
مثال آخر في فقه البيوع ، إذا أطلق أهل العلم على عقد أنه من “عقود المعاوضات” فإن السامع إن لم تكن له دراية بالمعنى الاصطلاحي فإن أذنه ستأخذ منه ما يحمله اللفظ في اللغه دون أن يلحظ المعنى المخصوص المراد بهذا المصطلح.
فإن اللغة المجردة تدل على أنه عقد فيه شيء عوض عن شيء ، و لن يصل من المعنى الللغوي المتبادر إلى الذهن أبعد من ذلك.
أما دلالة معنى “عقد المعاوضه” عند من يعلم اصطلاح البيوع هي أنه عقد مبنى على الشحُ و استقصاء الحق و لا يغتفر فيه الغرر و هو عقد يهدف للربح وأن العقد فيه قوي…
فإذا فرضنا متحاورين أحداهما يستخدم المعنى الاصطلاحي للدلالة على مراده ، و الآخر يسمع المعنى اللغوي! هنا يحدث الخلل في التفاهم، فالمتحدث يظن انه قد بلغَ و المستمع يظن أنه قد سمع ، و الحق أن كل منهما في وادٍ غير صاحبه.
و طالب العلم يصبر و يتأنى عند ورود المسائل و المصطلحات، و يزن المعاني بدلالة الكتاب و السنة.
أما المتعالم، فإنه يخطف الكلمة أو المصطلح خطف الغراب، ومن ثم يبني عليه أوهاماً ما أنزل الله بها من سلطان، و ما أراد أهل العلم شيئاً مما وقع له!
و من ثم ينصر المتعالم ما فهمه و يتعصب له، بل و يُجهل غيره! و يتهمه بقصور الفهم!
و لقد ورد عليّ من هؤلاء الكثير، و كانت تأخذني فورة التصحيح و الانتصار للحق، حتى صارت نفسي لا تنهض للرد، بل أترك أمثاله و جهله، فإن المتعالم لا يرجع عن جهله.
و يتصلُ بهذا الموضوع فوضى المصطلحات بين لغة الشرع و لغة الصحافة…!
يجبُ على طلبة العلم و أهل الصلاح استخدام المصطلحات الشرعية التي علق الله عليها الفلاح و الخسران و الإيمان و الكفر و البعد عن المصطلحات الصحفية التي وضعها أقوام عراة من العلم الشرعي و نور النبوة.
فإن الالفاظ المجملة التي تحمل معاني حقة و معاني باطلة هي فتنة للذين لا يعلمون ، و الواجب تعليق المعاني على الألفاظ الشرعية التي وضعها الشارع للدلالة عليها ، و إلا يجب الاستفصال حتى يتم البيان.
أمثلة:
قولهم “التكفيريون”:
هذا وصف مجمل يحتمل معنى حق و معنى باطل ، فتكفير المسلم المعين حكم شرعي يخضع لشروط و موانع ، و كذلك الحكم على عمل أنه كفرٌ حكمٌ شرعي يستدل عليه بالكتاب و السنة و الإجماع.
و من تجاوز دلالة الكتاب و السنة و الإجماع و أخد يكفر الناس بغير عمل يوجب الكفر ، أو بدون مراعاة شروط و موانع تكفير المعين ، فهذا ظلم و عدوان على المسلمين و قول في الدين بغير علم.
فالنسبة إلي التكفير بقولهم ” تكفيري” يشمل المعنيان ، التكفير بحق و التكفير بباطل.
فإن أطلق رجل مبتدع التكفير في منْ حكمَ بغير ما أنزل الله هكذا مطلقاً ، أو من بايع الرئيس الفلاني ، أو انتمى للجيش الفلاني ، قالوا: تكفيري.
وإن قال رجل من أهل السنة و الجماعة أن من جحد معلوماً من الدين بالضرورة من غير تأويل و لا إكراه فهو كافرٌ ، قالوا – أيضاً- تكفيري!
يجب أن نقول في أهل التكفير بغير حق: خوارج أو بغاة ، و يعجبني قول بعضهم: “غلاة التكفير” ذلك لأن فيه دلالة على أنهم تجاوزوا حد الاعتدال و الوسطية ، وللدلالة على إثبات أصل جنس الحكم بالكفر ، خلافاً للجهلة و العلمانيين الذين يريدون الغاء حكم الردة و الكفر من شريعة الإسلام ، حتي يستوى المسلم و الكافر.
و قولهم: “الجهاديون” ، فالجهاد منه حق و هو الذي استوفى شروطه تحت راية ولى الأمر ، و منه ما هو باطل لم يستوف شروطه و لم يأذن فيه الإمام.
و قس على ذلك،…
اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، و صل اللهم على محمد و على اّله و صحبه و التابعين.
هاني حلمي