وسائل الإعلام و مواقع التواصل الاجتماعية ، فتنة و وبالٌ على عامة الناس ، فإن الغالبية الساحقة تحدث بما بلغ سمعها أو وقع تحت نظرها ، دون تحقيق و مراعاة لأصول معرفة الحق من الباطل ، كلٌ ينقل ما وافق هواه و ما ناسب عقله ومبلغ علمه ، فتختلط الحقائق بالشبهات ، و العلم بالجهل، و اليقيني بالظني ، و الفكر بالفقه ، في سعير مستعر بأشباه المثقفين و أنصاف المتعلمين ، و جحافل المتعالمين التائهين في بيت العنكبوت الفضائي!
الأخبار صناعة، و الكذب فيها لا يستحي منه، و يسمونه بغير اسمه، يسمونه: سبق صحفي، حرب إعلامية، تهيئة الرأي العام، حرب ايدولوجية، تحليل سياسي،…، إلى آخر هذه الألفاظ المضللة التي تهدي إلى الكذب… و من أشهر طرق الكذب قولهم: ” قال مصدرٌ مسئول!”
هذا المصدرُ المسؤول قد اجتمعت فيه جهالتان:
جهالة العين: فلا نعرف من هو بعينه، أهو عمرو أم زيد.
جهالة الحال:فلا نعرف حال خبره، أهو صادقٌ إم كاذب.
فلا ينبغي نقل الأخبار، فضلاً عن تصديقها، عن مجاهيل المصادر المسؤولة.
ثم إنه لجهالته لا يتحمل أدنى مسؤولية، فكيف يسمى مسؤولاً، و كيف يمكن سؤاله!
إلإعلاميون: عندهم “عدم مبالاة بالنقل” و “عُرف منهم الهوى” ، فمن الغلط الفاحش الخطر قبول قولهم ، و هذا في الجمله ، فأن الشيطان قد يصدقك و هو كذوب… ، الأصل في الإعلاميين الكذب حتى يتبين صدقهم ، و إن كان هذا حالهم ، فلا يليق بمسلم أن يكون سماعاً للكذب!
قال الشيخ السعدي رحمه الله في كتاب الرياض الناضرة…
و قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله في أحد فتاويه:
” قال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾[النساء:83].
وهذا يدل على أن الإنسان لا ينبغي أن يكون مذياعاً لكل ما سمع من خبر، سواءً خبر خوف، أو أمن، أو خير، أو شر أذاعه، بل قد يكون من الخير أن يكتم هذا الخبر الذي حصل…”
قلتُ:
أغلب الناس إما بوق ضلالة ، أو سماع للكذب ، و لا يتحرى الفصل بين الحق و الباطل إلا من أنعم الله عليهم من أُولي الألباب.
ترى الواحد منهم يسمع ما لا يفهم ، و يفهم ما يهوى ، و يهوى ما ينشر ، و ينشر ما لا يعلم صدقه من كذبه ، و يتهم هذا بالقتل و هذا بالخيانة ، في دائرة مظلمة من الكذب الهادي إلى النار.
فإن أردت الصدق يا أخي ، فانظر في مخرج الخبر و حال ناقله ، و القرائن المحتفة به ، ثم أنظر هل لك من غرض أو شهوة في الخبر ، و هل السلامة في نقله أم في تركه، ثم أين ستجد ما نقلت في صحف أعمالك، في صفحة الصدق أم في الأخرى!
فمن أراد أن يُكتب عند الله صديقاً فليتحري الصدق ، و لا ينقل الكذب، فإن ناقل الكذب من الكاذبين.
و منْ يتابع أخبار الناس اليوم تتملكه الغموم و تقتسمه الهموم ، فهُم بين طيش و سفاهة ، تفرقت أهواؤهم و تباينت آراؤهم ، إلا من رحم ربي.
والله ما بقي من طيب العيش إلا بال خالٍ ، و كتاب عالٍ ، و صديق صالح يُعينك على أمر دينك و دنياك و إلا فعلى الدنيا السلام…
و من نعيم القلوب في الدنيا: كتابٌ سلفيٌ ذو موضوعٍ شريف ، لمؤلفٍ راسخٍ في العلم ، أخرجته يدُ محقق عليمٍ…
و ما وراء ذلك فلا يتماسك في الأُذن!
هاني حلمي