كتب الأخ مشاري بن سعد الشثري ، باحث في مجلة البيان، في مقال له:
” استرسال الطالب مع أهوائه العلمية الخاضعة لظروفه الآنية ستُخرج منه بعد زمن رجلًا يملك قدرًا جيدًا من الثقافة وحزمةً حسنةً من الاقتباسات .. أمَّا أن يكون عمدةً في باب من العلم، يمتلك من الأدوات العلمية ما يمكنه من تحريره وتقريره والدفع عنه، فما أبعده من ذلك!
أن تَرِد مجلسًا فيتحدث فيه أحدهم عن كتاب لامع في الأدب، ثم تطالع في الانستغرام تقريرًا جميلًا عن كتاب في الفكر، ثم تشاهد في اليوتيوب عرضًا مشوقًا عن كتاب في الاعتقاد، فتجعل من مثلث الكتب هذا مثلثًا لجدول تحصيلك، فهذا يعني أنك تُخضِع معارفك لظروفك النفسية، والوجه أن تخضعها لبنائك المنهجي الذي تسعى في تمامه وإحكامه.
تحدَّث الكثير عن القراءة الفوضوية، وعن أثرها في تشتت التحصيل، ولا يعنيني هنا شيءٌ من ذلك، فالقراءة الفوضوية – إذا كانت هامشًا لمتن – وسيلة من وسائل البناء وتحصيل بعض الملكات.
لكن الشأن أن تكون رسالتك المعرفية واضحةَ المعالم، بيِّنةَ الخطوات – ولو في مراحلها الأولى – تعرف حين تُسأل عن سبب قراءتك لهذا الكتاب الذي بين يديك أن تجيب بلا تكلف عن كونه يمثل لبنة من لبنات بنائك المعرفي الخاص.
الوعي في التحصيل نفتقده كثيرًا، وتكثيف الهم على تحقيق رسائلنا المعرفية مما فَرَط من دائرة اهتمامنا .. وهذا ما يجعل من معرفتنا مهلهلةً لا تقوم على ساق حين نبغي الحديث باتزان عن حقائق العلم.
أدرِك هذه السنين المبعثرة بين يديك، وألجمها بخطام الوعي، أعد رسم خارطتك المعرفية، واتخذ لك شرطًا صارمًا في تحديد صادر جدولك ووارده.
صدقني، نمتلك الكثير من القدرات، الكثير من الأدوات، الكثير من الأوقات .. غير أنَّا نبدِّد هذا الكثير حين نفتقد القليل من التخطيط، والقليل من الوعي في التحصيل”
قلتُ (هاني): هذا و الله همُ الليل و النهار…
و يجمع ذلك قول ابن سنان الخفاجي:
ومشتّت العزمات ينفق عمره … حيران لا ظفر ولا إخفاق
أمل يلوح اليأس في أرجائه … وغنى يشفّ وراءه الإملاق