حدثت هذه القصة معي ، ولولا العبرة و الحكمة منها ما كنتُ مخبركم بها…
وقع في قلبي إخراج صدقة ، فأخذت مبلغاً من المال في جيبي و ذهبت لصلاة العشاء ، بعد الصلاة جلستُ أتفرس في وجوه الناس و هيئاتهم لعليّ أظفر بفقير يستحقها.
فوجدتُ رجلين ، كلاهما تظهر عليه الفاقة ، ثيابهما رثة، ووجوههما شاحبة، لا تخطئهما عين ناظر أنهما من أهل الصدقة.
الأول منهما ، كان منزوياً في جانب من المسجد بعد الصلاة، يصلي السنُة في سكينة و خشوع ، ثم رمقته يرفع يده بعد الصلاة و يدعوا بإخبات شديد تحرك له قلبي و غبطه عليه.
أما الثاني ، فكان معتراً ، (و هو الفقير المتعَرِّضُ للمعروف من غير أَن يَسأَل) ، فقد كان يقف لبعض الناس يصافحهم دون أن يسأل أو يتكلم ، و كثيراً ما كان يصافحني.
فحزمتُ أمري، و في خلسة من أنظار الناس، توجهت إلى صاحبنا الأول ووضعت المال في يده و ذهبت عائداً لبيتي ظاناً أنني فعلتُ الصواب مزهواً بحسن الاختيار.
في طريقي عودتي رأيتُ صاحبنا الأول يخرج من المسجد و يُخرج المال من جيبه ثم وجدته يتجه نحو صاحبنا الثاني ( المُعتر) و يعطيه شيئاً من المال في يده ثم يمضي لحال سبيله!
فتعجبتُ من فعله ، و أخذتُ أتأمل كيف صرفَ اللهُ المال بينهما، و قد أوصل الله المال لهذا الفقير المعتر ، و كتبها في صحيفة صاحبنا الأول ، و أي أجر حازه لله دره ، فهو فقير مُعدم، يتصدق من صدقة لم تسكن في دفء جيبه!
بعد ذلك بيوم أو يومين، و في الطريق من المسجد للبيت، تعرض لي صاحبنا المُعتر يصافحني ، فصافحته و وقفت له أسأله عن حاله و عمله ، فهو يعمل ” جنايني” في حديقة أحد القصور المحيطة بالمسجد، و فهمتُ منه أنه كان له ولد مريض في باكساتان و أنه قد مات.
فقلتُ في نفسي أُعاتبها ، كم مرة صافحني الرجلَ و كنتُ أُصافحه ثم أتركه و اذهب! يالله العجب من قسوة القلب! لعله كان محتاجاً للمال لعلاج ابنه، لذلك تعرض للناس دون أن يسأل.
و ما هي إلا أيام حتى صافحته للمرة الأخيرة ، فقد بدا لي أن قلبه قد انكسر لفقد ولده، فقرر ترك دبي و الرحيل عنها بلا عودة.
هاني حلمي