منذ أن بدأ شهر رمضان و قد أخذت المساجد الكبيرة في الأعلان عن جدول القُرّاء ، يوزعون أيام الشهر عليهم ، اليوم فلان و غداً فلان.
و ما على المصلي التقي إلا أن يستسلم للذة الطرب و ينعم مع تلكم الأصوات المتكلفة إطرابه و استخراج آهاته و دموعه…
و بعض المصلين يطارد قارئه المفضل عبر المساجد ، فيصلي كل يوم في مسجد قاصداً صوت القارئ و لا غير!
و تسمع العجب من بعض المصلين ، فتراهم يقولون: هذا عندي أفضل من هذا ، و هذا يؤثر فيّ ، و هذا يشعرني بالخشوع ، و هذا يبكيني، و هذا سيكا و هذا بياتي.. ايه و الله!
ثم تسأل الواحد منهم ، ما معني قول الله تعالي كذا ، فتراه يحملق فيك كالمصروع ، أو يهذي بأي هذيان يخطر بباله.
إنما نزل القرآن لتدبره و العمل به و يُتوصل لذلك بتلاوته تعبداً لله به ، و لم ينزل ليصير لعبة تلوكه الألسنة و تهز به الحناجر ، و القلب لاه والعقل في سكرة!
المعنى أولاً و هو المقصود ، و هو الذي يدوم أثره في القلوب و يشرح الله به الصدور، و لو أراد الله أن يُسير بكتابٍ الجبال أو تُكلم به الموتى و تُقطع به الأرض ، لكان بهذا القرآن.
تدبروا معاني الكتاب ، ارجعوا لكتب التفسير و غريب القرآن ، اسألوا أهل العلم عن ما أشكل عليكم من معانيه ، و اسألوا الله الرحمة بالقرآن و الشفاء بالقرآن و الهداية بالقرآن.
و ما المصائب التي تحل تباعاً على المسلمين إلا من التفريط في المعاني و التمسك بالقشور و المظاهر ، فترى قراءة ولا قراءة ، و صلاة و لا صلاة ، و تراويح ولا تراويح ، و صوم ولا صوم ، و علم ولا علم ، و إلى الله المشتكى.
و من غلبة هذا المزاج السطحي قصر الناس لقب القرّاء على ائمة الصلاة، و هذا خلاف العرف الشرعي للكلمة، فالقرّاء في استعمال السلف همُ العلماء!
اللهم اهدنا في من هديت، و صل اللهم و سلم على محمد و آله و صحبه و من اتبع النور الذي أنزل معه إلى يوم الدين.
هاني حلمي