قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في التحرير و التنوير:
“… فإن كل زيادة في كلام البليغ يقصد منها معنى زائد ، وإلا لكانت حشوا في الكلام والكلام البليغ موزون ، ولغة العرب مبنية على أساس الإيجاز .”
قلتُ: و هذه الزيادة إما أن تكون في بنية الكلمة ، أو زيادة في الكلمات نفسها.
و مثال الزيادة في بنية الكلمة:
قال تعالى:
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 286]
لماذا زيدَ في لفظ فِعْل السيئة (اكتسبت)، وانْتُقِصَ من لفظ فِعْل الحسنة (كسبت) !
قال ابن جني رحمه الله، نقلاً عن لسان العرب ، مادة : “كسب”
قولُه تعالى: (لها ما كَسَبَتْ، وعليها ما اكْتَسَبَتْ)؛ عَبَّر عن الحسنة بِكَسَبَتْ، وعن السيئة باكْتَسَبَتْ، لأَن معنى كَسَبَ دون معنى اكْتَسَبَ، لِـما فيه من الزيادة، وذلك أَن كَسْبَ الحسنة، بالإِضافة إِلى اكْتِسابِ السيئة، أَمْرٌ يسير ومُسْتَصْغَرٌ، وذلك لقوله، عَزَّ اسْمُه: من جاءَ بالحسنة فله عَشْرُ أَمثالها، ومن جاءَ بالسيئة فلا يُجْزَى إِلا مِثْلَها؛ أَفلا تَرى أَن الحسنةَ تَصْغُر بـإِضافتها إِلى جَزائها، ضِعْف الواحدِ إِلى العشرة؟ ولما كان جَزاءُ السيئة إِنما هو بمثلها لم تُحْتَقَرْ إِلى الجَزاءِ عنها، فعُلم بذلك قُوَّةُ فِعْلِ السيئة على فِعْلِ الحسنة، فإِذا كان فِعْل السيئة ذاهباً بصاحبه إِلى هذه الغاية البعيدة الـمُتَرامِـيَة، عُظِّمَ قَدْرُها وفُخِّمَ لفظ العبارة عنها، فقيل: لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ، فزيدَ في لفظ فِعْل السيئة، وانْتُقِصَ من لفظ فِعْل الحسنة، لما ذَكَرْنا.”
و قال ابن فارس رحمه الله في كتاب “الصاحبي في فقه اللغة”:
” وكلّ مَا كَانَ من الأوصاف أبعدَ من بنية الفعل فهو أبلغُ، لأن “الرحمن” أبلغُ من “الرحيم” لأنا نقول “رَحِمَ فهو راحم ورحيم” ونقول: “قَدَر فهو قادرٌ وقَدير” وإذا قلنا “الرحمن” فليس هو من “رَحِمَ” وإنَّما هو من الرَّحمة”. وَعَلَى هَذَا تجري النعوت كلُّها فِي قولنا “كاتب” و”كَتَّاب” و”ضارب” و”ضَرُوب”.”
و مثال الزيادة في الكلمات:
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) سورة مريم (27)
فالجواب: أنه لما ظهرت منه آيات، جاز أن يتوهَّم السامع «فأتت به» أن يكون ساعياً على قدميه، فيكون سعية آيةً كنطقه، فقطع ذلك التوهُّمَ، وأعلم أنه كسائر الأطفال، وهذا مِثْل قول العرب: نظرت إِلى فلان بعيني، فنفَوْا بذلك نظر العطف والرحمة، وأثبتوا أنه نظرُ عَيْنٍ.”