لقد قطفت أوروبا من تراث المسلمين ما مكن لهم زهرة الحياة الدنيا، و هي غاية سعيهم و منتهى إراداتاهم ، و اعرضوا عن الله و دينه، و الله قد مكن لهم من أسباب الدنيا ما هو فتنة لهم و متاع إلى حين، فهي النعيم المعجل و من بعدها عذاب مقيم لا يفتّر عنهم بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا.
أما المسلمون فقد زبلت في أيديهم تلك الزهرة لما تهاونوا في التوحيد و فرطوا في دينهم، فابتلاهم الله بأنواع العقوبات و الذل، لعلهم يرجعون إلى الله فيرفع عنهم العقوبة، فهوانُ المسلمين من العقوبة المعجلة ، و لكنهم ناجون بالجملة في الآخرة بما معهم من توحيد الله عز و جل.
هذا هو وضع الحضارة في عالمنا اليوم، و هو يتناسب بين الأفراد و الدول في الزمان الواحد ، فتجد دولة مسلمة عندها من العزة و المنعة بما عندها من التوحيد و إتباع السنن، و فيها من الذل و المهانة بما فرطت فيهما!
و الكل في اختبار و فتنة و لكل حالة لبوسها الذي يرضي الله تعالى ، فمن رضي فله الرضا و من سخط فعليه السخط…
إلى كل مهزوم بائس، أخذه بريق أوروبا ،و لا يدري أن أجداده المسلمين هُم من مهدوا الطريق و وضعوا أساس حضارات اليوم… إلى كل من لا يعلم قدر تراث المسلمين العظيم، شمسُ الهداية التي أشرقت بنور ربها فملأت الأرض علماً و عدلاً… أُهدي هذه القُصاصات عن جدودي من المسلمين…فمن لي بمثلهم!
ما أعظم أثرهم على الأمم و الحضارات ، و ما أقبح جهل قومهم لفضلهم و آثارهم!
و قارن هذا النص التاريخي باتجاه الحضارة اليوم ، و لن امنعك من الحسرة فهي أول منازل الإصلاح…
لم يتعلم الهمج الرعاع من قبائل أوروبا الزراعة النظامية إلا بعد الفتح الإسلامي للأندلس ، و قبل ذلك لم تكن اراضيهم مستصلحة… و هم يدينون بالفضل في ذلك لمسلمي الأندلس رحمهم الله ، و هذه شهادة شاهد من أهلها.
حتى المَقرونة (المكرونة) عربية، من تراث المسلمين…
النظام الجامعي في العالم ، من تراث العرب المسلمين ، لم يُعرف التعليم الجماعي النظامي بالإجازة و المشافهة لكل طالب علم دون تمييز ، إلا عن طريق المسلمين ، لم يعرف ذلك الاغريق و لا الرومان و لا الفرس و الهنود ، و هذا بشهادة مؤرخي أوروبا و مستشرقيها.
ليسانس = إجازة ، بكالوريوس = بحق الرواية
” … فالعرب في الواقع هم الذين ابتدعوا طريقة البحث العلمي الحق القائم على التجربة”
و هذا مثالٌ واحد من آلاف الأمثلة على سرقة تراث المسلمين دون إشارة إليهم مع جحد فضلهم و الانتقاص منهم ، و هي سمة غالبة في العقل الأوروبي إلا قليلاً ممن صدعوا بالحق من أنه لولا تراث المسلمين و علومهم لما خرج العالم من ظلمات العصور الوسطى إلى ما هو عليه اليوم.
ففي الوقت الذي ألف فيه الطرطوشي كتابه ، كانت الكنيسة تعتبر من يمتلك نسخة مترجمه من الإنجيل تهمة عقوبتها الحرق حياً !
و هذان كتابان معاصران في هذا الموضوع، الأول الذي نقلت عنه، و الثاني هو ” شمسُ العرب تسطع على أوروبا” للمستشرقة الألمانية زيجرد هونكة.
إن تراث المسلمين المؤسس على الكتاب السنة هو أساس كل خير في الدنيا و الآخرة ، علَم ذلك من علم و جهله مَن جهل.
هاني حلمي