“نبذُ السُنة” شبهةٌ قديمةٌ تتجدد …!

قال الحافظ الذهبي رحمه الله في السير عند ترجمة أبي قِلابَة رحمه الله ( من التابعين) ، أنه قال :

“إذا حدثت الرجل بالسُنة ، فقال : دعنا من هذا ، و هات كتاب الله ، فاعلم أنه ضالٌ.”

قلتُ (هاني):

و بيان هذا الضلال من وجوه:

إما أنه لا يعلم قدر السنة و أنها مبينة للقرآن و أنها قسيم الكتاب في الدلالة على الهدى ، فهو ضال حتى يؤمن بالسُنة.

و إما أنه لم يفهم السنُة و ظن تعارضها مع القرآن ، فبدل من أن يسأل و يتعلم ، تمعقل على السُنة و نبذها وراء ظهره.

و أما أنه عقل السُنة و فهم معناها ، فلم توافق هواه ، فعبس و بسر ثم أدبر و استكبر ، و قال دعك من السُنة و هات الكتاب.

و إما عنده شبهة في أصل السُنة و طريق ثبوتها و جمعها ، و لم يرض بإجماع أهل العلم بالحديث و علماء الأمة ، فهو ضال حتى يهديه الله للحق بإذنه ، و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

و إما أنه يقول : إن دلت السُنة على خلاف العقل ، فالعقل أولى من السُنة ، نقول له : أن النقل الصحيح لا يعارض عقلاً صريحاً ، فالخلل في عقلك و ليس في السُنة ، أو أن السُنة التي ادعيت تعارضها مع عقلك لم تثبت بالنقل الصحيح على قواعد المحدثين رضي الله عنهم ،فلا يعتد بما لم يثبت.

و من المقرر عند أها لسُنة و الجماعة استقلال سُنة رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتشريع و البيان ، و أنها وحي غير متلو.

ففي سنن أبي داود عَنِ  الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :

أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ  : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ، وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهَدٍ ، إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ  بِمِثْلِ  قِرَاهُ “.

و أوضح منها رواية الدارمي رحمه الله بسند صحيح عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ أَشْيَاءَ يَوْمَ خَيْبَرَ ، الْحِمَارَ وَغَيْرَهُ. ثُمَّ قَالَ:

” لَيُوشِكُ الرَّجلِ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ، اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ، حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ، فهُوَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى “

قال البغوي رحمه الله في شرح السنة :

وَالأَرِيكَةُ: السَّرِيرُ… ، وَأَرَادَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَصْحَابَ التَّرَفُّهِ وَالدَّعَةِ الَّذِينَ لَزِمُوا الْبُيُوتَ، وَقَعَدُوا عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِالْحَدِيثِ إِلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْكِتَابِ، وَأَنَّهُ مَهْمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حُجَّةً بِنَفْسِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ».

وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أُوتِيَ مِنَ الْوَحْيِ غَيْرِ الْمَتْلُوِّ، وَالسُّنَنِ الَّتِي لَمْ يَنْطِقِ الْقُرْآنُ بِنَصِّهَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ مِنَ الْمَتْلُوِّ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الْبَقَرَة: ١٢٩] فَالْكِتَابُ: هُوَ الْقُرْآنُ، وَالْحِكْمَةُ: قِيلَ: هِيَ السُّنَّةُ.

أَوْ أُوتِيَ مِثْلَهُ مِنْ بَيَانِهِ، فَإِنَّ بَيَانَ الْكِتَابِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْل: ٤٤].

و انظروا لوصف البغوي رحمه الله دلالة الشبع و الإتكاء على الدعة و الترف و القعود عن طلب العلم، و هذا الوصف ينطبقُ على كثير من الليبراليين و العلمانيين و العقلانيين، الذين لزموا كراسي المقاهي ثم تمعقلوا على النصوص و بنوا من أوهامهم قصوراً من الباطل لا تتماسك إلا كما يتماسك دخان سجائرهم في الهواء!

السُنة اختبار للناس ، يهدي الله بها قوماً و يُضل بها آخرون.

والناكبُ عن صراط سُنة رسول الله صلى الله عليه و سلم في الدنيا ، فهو ناكبٌ عن صراط الآخرة ، و كل بحسبه ، فمخدوش ناج و مكدوس في النار…فماذا بعد الحق إلا الضلال!

قال الإمام أحمد رحمه الله :

” من رد حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو على شفا هلكة “

و ثمرة العقل حسنُ الاختيار.

هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s