رجوع العالم عن قوله…!

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في “اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم” ، ص 536 و ما بعدها:

” وقد ذكر طائفة من المصنفين في المناسك استحباب زيارة مساجد مكة و ما حولها، و كنت قد كتبتها في منسك كتبته قبل أن أحج في أول عمري، لبعض الشيوخ، جمعته من كلام العلماء، ثم تبين لنا أن هذا كله من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشريعة، وأن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، لم يفعلوا شيئا من ذلك، وأن أئمة العلم والهدى ينهون عن ذلك، وأن المسجد الحرام هو المسجد الذي شرع لنا قصده للصلاة والدعاء والطواف، وغير ذلك من العبادات، ولم يشرع لنا قصد مسجد بعينه بمكة سواه، ولا يصلح أن يجعل هناك مسجد يزاحمه في شيء من الأحكام، وما يفعله الرجل في مسجد من تلك المساجد، من دعاء وصلاة وغير ذلك، إذا فعله في المسجد الحرام كان خيرا له؛ بل هذا سنة مشروعة، وأما قصد مسجد غيره هناك تحرياً لفضله، فبدعة غير مشروعة.”

قلتُ (هاني):

و فيه ايضاً أن أهل العلم الربانيين يرجعون عن اختياراتهم و مذاهبهم إذا تبين لهم مخالفتها للسنة و المشروع ، و لا غضاضة عليهم في ذلك، و أن اختيارات أول الطلب يجب النظر فيها، فكلما تدرج الإنسان في العلم و رسخت عنده الأصول تبين له الصواب من الخطاء.

قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح رياض الصالحين:

“… ولا تستغرب أن العالم يرجع عن قوله، لأن الحق يجب أن يُتبع، فمتي تبين للإنسان الحق وجب عليه اتباعه، فالإمام احمد، رحمه الله، أحيانا يُروي عنه في المسالة الواحدة اكثر من أربعة أقوال أو خمسة إلى سبعة أقوال في مسالة واحدة وهو رجل واحد …. والإمام احمد تكثر الرواية عنه لأنه أثري يأخذ بالآثار، والذي يأخذ بالآثار ليس تأتيه الآثار دفعة واحدة حتى يُحيط بها مرة واحدة ويستقر علي قوله منها، لكن الآثار تتجدد، ينقل له حديث اليوم، وينقل له حديث في اليوم الثاني، وهكذا. “

و قال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله، في كتاب “القائد إلى تصحيح العقائد” ص 36.:

” وبالجملة فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى وقد جربت نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعماً أنه لا هوى لي فيلوح لي فيها معنى، فأقرره تقريراً يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرم بذاك الخادش وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني صرت أهوى صحته، هذا مع أنه لا يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش؟ فكيف لولم يلح لي الخدش ولكن رجلاً آخر أعترض علي به؟ فكيف كان المعترض ممن أكرهه؟…”

و هذا رجل جلس قاضياً بينه و بين نفسه ، لله دره من رجل، و من يطيق يفعل هذا !

و ما أرى رفعة الرجل من أهل العلم في الناس بعد موته إلا من هذا الباب ، و ما حط ذكره بعد موته إلا من إهماله الإنصاف من نفسه.

اللهم ارزقنا الإخلاص و الإنصاف و السداد في القول و العمل.

هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s