عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
” إن القبر أول منزل من منازل الآخرة …”
رواه الترمذي و حسنه الألباني ، رقم 23988 من سنن الترمذي ، رحمهما الله تعالى.
و هذه قاعدة جامعة مانعة تمنع اللغط في الكلام على القبر ، فهذا نصٌ أنه من منازل الآخرة ، فأخبار القبر لا تتلقى إلا من جهة السمع ، أي الخبر الصحيح عن رسول الله، و ليس للعقل فيها مدخل، فلا يقال كيف و لم!
فالكلام في القبر ، مثل الكلام في باقي منازل الآخرة ، كالحشر و الصراط و الميزان و ذبح الموت بين الجنة و النار و حشر الكفار على وجوههم، و رؤية المؤمنين ربهم عز وجل و غيرها…
فمن نفي بعضها بعقله و أثبت بعضها وقع في التناقض، و الواجب أن نقول فيها جميعاً (قل كل من عند الله) ، و نُسلم للخبر الصحيح عن رسول الله و لا نرد حرفاً منها.
و بالإستقراء للمعاصرين، و جدتُ أنه لا يُنكر عذاب القبر إلا أحد هؤلاء:
– إما جاهل رويبصة، ينعق بما لا يسمع ، مقلد أعمي ، سمع الناس يقولون مقالة فرددها مثل الببغاء ، و هو لا يدري ما يخرج من رأسه…
– وإما متعالم هالك ، لم يستضيء بنور العلم، يرد أحاديث رسول الله بزعم أنها آحاد ، و يُخرج كتاب الله عن مدلوله ليوافق هواه ، و يضرب كتاب الله بعضه ببعض ، كما فعل أسلافه من الجهمية و المعتزلة و المتكلمين و الفلاسفة…
– أو رجل رقيق القلب ، و رقيق العقل ايضاً ، يخاف من عذاب الله ، فناسب هواه أن ينكر وجوده ، خوفاً من العذاب ، و هذا منتهى الحُمق…
– أو داعية “مودرن” ، يتتبع أهواء معجبيه و متابعيه، لا يريد أن ينفض الناس عنه ، يقول في نفسه بعاميته المقيته ” هنخوف الناس من الدين و ربنا ليه، بناقص عذاب القبر، و خلي الناس تحب الدين و يكتروا و اهو كله بثوابه ، و ربنا بيسامح ومش هيعذبنا إن شاء الله ” ، وهذا فتنة للسفهاء أمثاله.
– و عقلاني عصراني تجريبي مريب ، يريد أن يرى آثار العذاب على الموتى قبل أن يحكم بأنه موجود ، ويضل الناس بغير علم ، و ان حمل من علوم الدنيا ما حمل ، فلم يوضع الدين على شرط التجربة المعملية و المشاهدة الحسية.
فيرجع الأمر إلى الجهل ، و التقليد ، و الشهوة ، و الشبهة ، ووضع العقل في غير موضعه ، ووضع العاطفة في غير موضعها .
و الأدلة الشرعية على ثبوت عذاب القبر منتشرة معروفة، لا تخفى على أغلب الناس ، ولست بصدد ذكرها هنا، إنما أردت فقط الإشارة إلى مذاهب الناس و خلفياتهم …و بيان أن النزاععند التأمل ليس حول الدليل من حيث الثبوت، بل النزاع في الدلالة و منهج الاستدلال و التعامل مع النصوص، و خلفية المستدل و قناعاته السابقه، و هذه هي صخرة المنهج الصماء التي لا ينفذ إليها نور الأدلة التفصيلية.
و صل اللهم على محمد و على آله و صحبه و سلم.
هاني حلمي