من أعظم ثمرات العقول و فقه القلوب ردُ الأمور إلى أسبابها الحقيقية ، و هي الأسباب الشرعية التي علق الله عليها الفلاح و الخسران في الدنيا و الآخرة .
و هذا هو فقه الواقع على حقيقة أمره ، و كل محاولة لتفسير أسباب الفلاح و الخسران بمعزل عن تلك الأسباب فهو تضليل للأفهام و تضييع للأعمار.
السبب العام للفتن و المحن هو الإعراض عن دين الله المُنزل و استبداله بالذي هو أدني من مناهج الأمم الوثنية الملحدة.
وليس الفقر ولا البطالة ولا الاختلاف و التناحر و لا ظلم الحكام إلا أعراض للمرض، و ليست هي أصل المرض ، بل أصل المرض هو الإعراض العام عن دين الله و الشرك بالله و انتشار البدع و جهل المسلمين بدين رب العالمين.
قال تعالى:
(وَلَوْأَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) المائدة 66
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الأعراف 96
(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) الأعراف 137
و أي محاولة للإصلاح بمعزل عن هذا الأصل فهي إضاعة للوقت و سعي غير مشكور.
الله عز و جل بيده خزائن السماوات و الأرض، يده مليئة بالخير ينفق كيف يشاء، و لا يعجزه أن يجعل كل المسلمين أغنى و أنعم أهل الأرض، و لكن الله يريد من الناس صلاح أديانهم و توحيدهم و عبادتهم له، إذ هذا هو المقصود الأعظم لخلقلهم، ثم الخيرات و الأموال تأتي تبعاً.
و من اعترض على ذلك بحال بعض دول الكفر في زماننا، فهؤلاء قد بذلوا أسباباً دنيوية بحته ترتب عليها أثارها من رفاهة العيش، و قد أذن الله في ذلك إما تعجيلاً لنصيبهم من الدنيا، إذ لا نصيب لهم في الأخرة، أو ليزدادوا إثماً، … و نصيبهم في الدنيا – على عِظمه في أعين بعض الناس – ما هو إلا متاع قليل كما وصفه الله تعالى في كتابه، و في الأثر: لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء!
كذلك، فتح الدنيا على بعض أمم الكفر، مع إعراضهم و كفرهم، قد يكون فتنة لهم ليزدادوا كفراً، و فتنة للمسلمين، لينظر الله من سيتابع طريقتهم و يواليهم على كفرهم، و من سيعتصم بدينه.
و الله المستعان،
هاني حلمي