قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:

“…النفوس مائلة إلى الغريب ، و مستلذة له ،…” إحياء علوم الدين 1/62

قلتُ:

من هذا الباب يتساقط الناس كالذباب على كل قول شاذ في الدين، فما أن ينعق ناعق بالقول الظاهر البطلان إلا و تجد كثيراً من الناس يتلقونه و يحتفون به كالمولود بين أحضان أبويه !

و ذلك أن تربية غالب أهل هذا الزمان على تتبع الجديد و الغريب، فتراه ينتظر المبارة الجديدة و الفيلم الجديد و الأخبار الجديدة، و المنشور الجديد، … و يزداد هذا الجديد لذة إن كان غريباً.

مِن شأن العامَّة كما قيل أن “الحديث لهم عن جَملٍ طار أشْهَى إليهم من الحديث عن جَملٍ سار، ورؤيا مرئيَّة آثرُ عندهم من رِواية مرويَّة!”…

لا جديد ولا غريب في دين رب العالمين، و لن يأتي أحد في هذا الزمان المتأخر بخير مما كان عليه سلف الأمة ، و هذا من أركان منهج أهل السنة و الجماعة على صاحبها الصلاة و السلام المُنذر بقوله ” إياكم و محدثات الأمور”…

و لا يقتصر حُب الإغراب و الهذيان على العامة بل قد تجده في بعض المنسبين للعلم كذلك!

و قد تعجب من ذلك الشوكاني رحمه الله، فبعد أن نقل أقوال بعض المنتسبين للعلم في حد رواة الخبر المتواتر، في كتابه الماتع إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول، قال رحمه الله:

“… وَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ جري أقلام الْعِلْمِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي لَا تَرْجِعُ إِلَى عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ، وَلَا يُوجَدُ بَيْنَهَا وبين محل النزاع جامع، وإنما ذكرناه لِيَعْتَبِرَ بِهَا الْمُعْتَبِرُ وَيَعْلَمَ أَنَّ الْقِيلَ وَالْقَالَ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِنْ جِنْسِ الْهَذَيَانِ فَيَأْخُذُ عِنْدَ ذَلِكَ حَذَرَهُ مِنَ التَّقْلِيدِ وَيَبْحَثُ عَنِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ شَرْعِ اللَّهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ لَهُمْ إِلَّا مَا فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.”

طريق الحق ميسرة لمن سلك سبلها ، و من ضل فلا يلومّن إلا نفسه ، فهو لم يسأل الله الهداية و لم يسلك سبلها و قصر في طلب الحق فكان جزاءه أن يصغى قلبه للباطل فيتشربه ، ذلك أن قلبه خالٍ من نور العلم و و طلب الهداية من الله ، فعُرض عليه الباطل فقبله ، جزاءاً وفاقاً ، و ما ربك بظلام للعبيد.

اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اغفر و ارحم و تجاوز عن ما تعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم.

هاني حلمي