المُنتقى من كتاب “الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية” للحافظ البزار

قال بعض السلف “تتنزلُ الرحمة عند ذكر الصالحين”، ولقد ترجم لشيخ الإسلام و كتب في مناقبه خلقُ ٌ كتيرٌ، ولقد أعجبتني هذه الترجمة المقتضبة بيد تلميذه الحافظ البزار رحمه الله تعالى، وقد أبدع البزار رحمه االه في وصف حال الشيخ في خاصة نفسه و عبادته، و تلازم الزهد و التقلل من الدنيا مع العلم الرباني السلفي الصحيح، وكذلك أحسن البزار رحمه الله في وصف علماء السوء الذين تكالبوا على شيخ الإسلام، و بيان أنهم طلاب دنيا و جاه و رياسة… فبضدها تتميز الأشياءُ.

و هذه مقتطفات من الكتاب، لحثكم على تذوقه، و هو من نشرة المحقق الدكتور صلاح الدين المُنجد، الطبعة الأولى 1396هـ/1976 م ، عن دار الكتاب الجديد-بيروت.، و هو خمسةٌ و تسعون صفحة بالفهارس، و في ذيل المقال نسخة مصورة ضوئياً من الكتاب كاملاً…


“أخبرني من أَثِق بِهِ عَن جدته أن الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ فِي حَال صغره كَانَ إِذا أَرَادَ الْمُضِيّ إِلَى الْمكتب يَعْتَرِضهُ يَهُودِيّ كَانَ منزله بطريقه بمسائل يسْأَله عَنْهَا لما كَانَ يلوح عَلَيْهِ من الذكاء والفطنة وَكَانَ يجِيبه عَنْهَا سَرِيعا حَتَّى تعجب مِنْهُ ثمَّ انه صَار كلما اجتاز بِهِ يُخبرهُ بأَشْيَاء مِمَّا يدل على بطلَان مَا هُوَ عَلَيْهِ فَلم يلبث أَن اسْلَمْ وَحسن إِسْلَامه” ص 21

” وَأول كتاب حفظه فِي الحَدِيث الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ للْإِمَام الْحميدِي،  وَقل كتاب من فنون الْعلم إِلَّا وقف عَلَيْهِ وَكَأنَ الله قد خصّه بِسُرْعَة الْحِفْظ وإبطاء النسْيَان لم يكن يقف على شَيْء أَو يستمع لشَيْء غَالِبا الا وَيبقى على خاطره أما بِلَفْظِهِ أَو مَعْنَاهُ وَكَانَ الْعلم كَأَنَّهُ قد اخْتَلَط بِلَحْمِهِ وَدَمه وسائره فَإِنَّهُ لم يكن لَهُ مستعارا بل كَانَ لَهُ شعارا ودثارا” ص 22

“وَلَقَد أمْلى فِي تَفْسِير {قل هُوَ الله أحد} مجلدا كَبِيراً، وَقَوله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} نَحْو خمس وَثَلَاثِينَ كراسة، وَلَقَد بَلغنِي أنه شرع فِي جمع تَفْسِير لَو أتمه لبلغ خمسين مجلداً” ص 23 – 24

” وَمن أعجب الْأَشْيَاء فِي ذَلِك [أي في حفظه] أَنه فِي محنته الأولى بِمصْر لما أَخذ وسجن وحيل بَينه وَبَين كتبه صنف عدَّة كتب صغَارًا وكبارا وَذكر فِيهَا مَا احْتَاجَ إِلَى ذكره من الْأَحَادِيث والْآثَار وأقوال الْعلمَاء وَأَسْمَاء الْمُحدثين والمؤلفين ومؤلفاتهم وَعزا كل شئ من ذَلِك إِلَى ناقليه وقائليه بِأَسْمَائِهِمْ وَذكر أَسمَاء الْكتب الَّتِي ذكر فِيهَا وَأي مَوضِع هُوَ مِنْهَا كل ذَلِك بديهة من حفظه لِأَنَّهُ لم يكن عِنْده حِينَئِذٍ كتاب يطالعه ونقبت واختبرت واعتبرت فَلم يُوجد فِيهَا بِحَمْد الله خلل وَلَا تغير وَمن جُمْلَتهَا كتاب “الصارم المسلول على شاتم الرَّسُول” وَهَذَا من الْفضل الَّذِي خصّه الله تَعَالَى بِهِ” ص 24

” وَأما مؤلفاته ومصنفاته فَإِنَّهَا اكثر من أَن أقدر على إحصائها أَو يحضرني جملَة أسمائها بل هَذَا لَا يقدر عَلَيْهِ غَالِبا أحد لِأَنَّهَا كَثِيرَة جدا كبارًا وصغارا وَهِي منشورة فِي الْبلدَانِ فَقل بلد نزلته إِلَّا وَرَأَيْت فِيهِ من تصانيفه” ص 25

“وَأما فَتَاوِيهِ ونصوصه وأجوبته على الْمسَائِل فَهِيَ اكثر من أَن اقدر على إحصائها لَكِن دون بِمصْر مِنْهَا على أَبْوَاب الْفِقْه سَبْعَة عشر مجلدا وَهَذَا ظَاهر مَشْهُور وَجمع أَصْحَابه اكثر من أَرْبَعِينَ ألف مَسْأَلَة وَقل أَن وَقعت وَاقعَة وَسُئِلَ عَنْهَا إِلَّا وَأجَاب فِيهَا بديهة بِمَا بهر واشتهر” ص28

” وأما مَا خصة الله تَعَالَى بِهِ من مُعَارضَة اهل الْبدع فِي بدعتهم، واهل الاهواء فِي اهوائهم، وَمَا ألفه فِي ذَلِك من دحض اقوالهم، وتزييف أمثالهم وأشكالهم، وأظهار عوارهم وانتحالهم، وتبديد شملهم وَقطع أوصالهم، وأجوبته عَن شبههم الشيطانية ومعارضتهم النفسانية للشريعة الحنيفية المحمدية، بِمَا منحه الله تَعَالَى بِهِ من البصائر الرحمانية والدلائل النقلية والتوضيحات الْعَقْلِيَّة، حَتَّى انْكَشف قناع الْحق وَبَان فيما جمعه فِي ذَلِك وألفه الْكَذِب من الصدْق، حَتَّى لَو أن اصحابها أحياءٌ ووفقوا لغير الشَّقَاء لاذعنوا لَهُ بالتصديق ودخلوا فِي الدّين الْعَتِيق” ص 32

” حَدثنِي غير وَاحِد من الْعلمَاء الْفُضَلَاء النبلاء الممعنين بالخوض فِي اقاويل الْمُتَكَلِّمين لاصابة الثَّوَاب وتمييز القشر من اللّبَاب، أن كلاً مِنْهُم لم يزل حائرا فِي تجاذب اقوال الاصوليين ومعقولاتهم، وأنه لم يسْتَقرّ فِي قلبه مِنْهَا قَولٌ، وَلم يبن لَهُ من مضمونها حقٌ، بل رَآهَا كلهَا موقعة فِي الْحيرَة والتضليل ، وجلها مذعنٌ بتكافئ الادلة وَالتَّعْلِيل، وأنه كَانَ خَائفًا على نَفسه من الْوُقُوع بِسَبَبِهَا فِي التشكيك والتعطيل، حَتَّى من الله تَعَالَى عَلَيْهِ بمطالعته مؤلفات هَذَا الامام احْمَد ابْن تَيْمِية شيخ الاسلام، وَمَا اورده من النقليات والعقليات فِي هَذَا النظام، فَمَا هُوَ الا ان وقف عَلَيْهَا وفهمها فرآها مُوَافقَة لِلْعَقْلِ السَّلِيم وَعلمهَا حَتَّى انجلى مَا كَانَ قد غشيه من اقوال الْمُتَكَلِّمين من الظلام وَزَالَ عَنهُ مَا خَافَ ان يَقع فِيهِ من الشَّك وظفر بالمرام” ص 33

” وَلَقَد اكثر رَضِي الله عَنهُ التصنيف فِي الاصول فضلا عَن غَيره من بَقِيَّة الْعُلُوم، فَسَأَلته عَن سَبَب ذَلِك والتمست مِنْهُ تأليف نَص فِي الْفِقْه يجمع اختياراته وترجيحاته ليَكُون عُمْدَة فِي الافتاء، فَقَالَ لي مَا مَعْنَاهُ: الْفُرُوع امرها قريب وَمن قلد الْمُسلم فِيهَا اُحْدُ الْعلمَاء المقلدين جَازَ لَهُ الْعَمَل بقوله، مَا لم يتَيَقَّن خطأه، وأما الاصول فَإِنِّي رايت اهل الْبدع والضلالات والاهواء، كالمتفلسفة والباطنية والملاحدة والقائلين بوحدة الْوُجُود والدهرية والقدرية والنصيرية والجهمية والحلولية والمعطلة والمجسمة والمشبهة والراوندية والكلابية والسليمية وَغَيرهم من اهل الْبدع، قد تجاذبوا فِيهَا بأزمة الضلال، وَبَان لي ان كثيرا مِنْهُم انما قصد إبطال الشَّرِيعَة المقدسة المحمدية الظَّاهِرَة الْعلية على كل دين، وأن جمهورهم أوقع النَّاس فِي التشكيك فِي اصول دينهم، وَلِهَذَا قل ان سَمِعت اَوْ رَأَيْت معرضًا عَن الْكتاب وَالسّنة مُقبلا على مقالاتهم إلا وَقد تزندق اَوْ صَار على غير يَقِين فِي دينه واعتقاده.

فَلَمَّا رَأَيْت الامر على ذَلِك بَان لي أنه يجب على كل من يقدر على دفع شبههم واباطيلهم وَقطع حجتهم واضاليلهم ان يبْذل جهده ليكشف رذائلهم ويزيف دلائلهم ذباً عَن المللة الحنيفية وَالسّنة الصَّحِيحَة الجلية، وَ لَا وَالله مَا رَأَيْت فيهم احدا مِمَّن صنف فِي هَذَا الشَّأْن وَادّعى عُلُوم الْمقَام الا وَقد ساعد بمضمون كَلَامه فِي هدم قَوَاعِد دين الاسلام وَسبب ذَلِك اعراضه عَن الْحق الْوَاضِح الْمُبين وَعَن مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل الْكِرَام عَن رب الْعَالمين واتباعه طرق الفلسفة فِي الاصطلاحات الَّتِي سَموهَا بزعمهم حكميات وعقليات وانما هِيَ جهالات وضلالات وَكَونه التزمها معرضًا عَن غَيرهَا اصلا ورأسا فَغلبَتْ عَلَيْهِ حَتَّى غطت على عقله السَّلِيم فتخبط حَتَّى خبط فِيهَا خبط عشواء، وَلم يفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل، وإلا فَالله اعظم لطفا بعباده من أن لَا يَجْعَل لَهُم عقلا يقبل الْحق ويثبته وَيبْطل الْبَاطِل وينفيه، لَكِن عدم التَّوْفِيق وَغَلَبَة الْهوى اوقع من اوقع فِي الضلال وَقد جعل الله تَعَالَى الْعقل السَّلِيم من الشوائب ميزانا يزن بِهِ العَبْد الواردات فَيُفَرق بِهِ بَين مَا هُوَ من قبيل الْحق وَمَا هُوَ من قبيل الْبَاطِل وَلم يبْعَث الله الرُّسُل الا الى ذَوي الْعقل وَلم يَقع التَّكْلِيف الا مَعَ وجوده فَكيف يُقَال انه مُخَالف لبَعض مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل الْكِرَام عَن الله تَعَالَى هَذَا بَاطِل قطعا يشْهد لَهُ كل عقل سليم لَكِن {وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور}

قَالَ الشَّيْخ الامام قدس الله روحه: فَهَذَا وَنَحْوه هُوَ الَّذِي اوجب اني صرفت جلّ همي الى الأصول وألزمني أن أوردت مقالاتهم وأجبت عَنْهَا بِمَا أنْعمْ الله تَعَالَى بِهِ من الأجوبة النقلية والعقلية” ص 34-35

وكَانَ قد عرفت عَادَته لَا يكلمهُ اُحْدُ بِغَيْر ضَرُورَة بعد صَلَاة الْفجْر فَلَا يزَال فِي الذّكر يُسمع نَفسه وَرُبمَا يُسمع ذكره من إلى جَانِبه،  مَعَ كَونه فِي خلال ذَلِك يكثر من تقليب بَصَره نَحْو السَّمَاء هَكَذَا دأبه حَتَّى ترْتَفع الشَّمْس وَيَزُول وَقت النَّهْي عَن الصَّلَاة” ص 38

” فَأنْظر بِعَين الانصاف إِلَى مَا وفْق لَهُ هَذَا الإِمَام وُأجرى عَلَيْهِ مَما ُأقعد عَنهُ غَيره وخُذل عَن طلبه، لَكِن لكل شئ سَبَب، وعلامة عدم التَّوْفِيق سلب الاسباب، وَمن أعظم الاسباب لترك فضول الدُّنْيَا التخلي عَن غير الضَّرُورِيّ مِنْهَا، فَلَمَّا وفْق الله هَذَا الامام لرفض غير الضَّرُورِيّ مِنْهَا انصبت عَلَيْهِ العواطف الالهية ، فَحصّل بهَا كلَ فَضِيلَة جليلة، بِخِلَاف غَيره من عُلَمَاء الدُّنْيَا مختاريها وطالبيها والساعين لتحصيلها فانهم لما اخْتَارُوا ملاذها وَزينتهَا ورئاستها انسدت عَلَيْهِم غَالِبا طرق الرشاد فوقعوا فِي شركها يخبطون خبط عشواء ويحطبونها كحاطب ليل لَا يبالون مَا يَأْكُلُون وَلَا مَا يلبسُونَ، وَلَا مَا يتأولون إلا مَا يحصل لَهُم أغراضهم الدنيئة ومقاصدهم الخبيثة الخسيسة فهم متعاضدون على طلبَهَا يتحاسدون بِسَبَبِهَا، أجسامهم مميتة، وَقُلُوبهمْ من غَيرهَا فارغة، وظواهرهم مزخرفة معمورة، وَقُلُوبهمْ خربة مأسورة، وَلم يَكفهمْ مَا هم عَلَيْهِ حَتَّى اصبحوا قالين رافضها معادين باغضها، وَلما رَأَوْا هَذَا الإِمَام عَالم الْآخِرَة تَارِكًا لما هم عَلَيْهِ من تَحْصِيل الحطام من المشّتبَه الْحَرَام، رافضا الْفضل الْمُبَاح فضلا عَن الْحَرَام ، تحققوا أن احواله تفضح احوالهم، وتوضح خفى أفعالهم، وأخذتهم الْغيرَة النفسانية على صفاتهم الشيطانية المباينة لصفاته الروحانية، فحرصوا على الفتك بِهِ أَيْن مَا وُجدوا، وأنسوا أنهم ثعالب وَهُوَ أَسد، فحماه الله تَعَالَى مِنْهُم بحراسته وصنع لَهُ غير مرّة كَمَا صنع لخاصته، وَحفظه مُدَّة حياتة وحماه وَنشر لَهُ عِنْد وَفَاته علما فِي الاقطار بِمَا وَالَاهُ ” ص42

” وَلَقَد اتّفق كل من رَآهُ خُصُوصا من أَطَالَ ملازمته أَنه مَا رأى مثله فِي زهْده فِي الدُّنْيَا، حَتَّى لقد صَار ذَلِك مَشْهُورا بِحَيْثُ قد اسْتَقر فِي قلب الْقَرِيب والبعيد من كل من سمع بصفاته على وَجههَا، بل لَو سُئِلَ عَامي من أهل بلد بعيد من الشَّيْخ: من كَانَ أزهد أهل هَذَا الْعَصْر وأكملهم فِي رفض فضول الدُّنْيَا وأحرصهم على طلب الاخرة؟ لقَالَ مَا سَمِعت بِمثل ابْن تَيْمِية رَحْمَة الله عَلَيْهِ.

وَمَا اشْتهر لَهُ ذَلِك إِلَّا لمبالغته فِيهِ مَعَ تَصْحِيح النِّيَّة، وَإِلَّا فَمن رَأينَا من الْعلمَاء قنع من الدُّنْيَا بِمثل مَا قنع هُوَ مِنْهَا أَو رَضِي بِمثل حَالَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، لم يُسمع انه رغب فِي زَوْجَة حسناء، وَلَا سَرِيَّة حوراء، وَلَا دَار قوراء، وَلَا جوَار، وَلَا بساتين وَلَا عقار، وَلَا شدّ على دِينَار، وَلَا دِرْهَم، وَلَا رغب فِي دَوَاب وَلَا نعم ،وَلَا ثِيَاب ناعمة فاخرة وَلَا حشم، وَلَا زاحم فِي طلب الرئاسات وَلَا رئي ساعيا فِي تَحْصِيل الْمُبَاحَات، مَعَ أَن الْمُلُوك والامراء والتجار والكبراء كَانُوا طوع أمره خاضعين لقَوْله وَفعله وأدين أن يتقربوا الى قلبه مهما أمكنهم، مظهرين لإجلاله أَو أَن يؤهل كلا مِنْهُم فِي بذل مَاله، فَأَيْنَ حَاله هَذِه من أَحْوَال بعض المنتسبين إِلَى الْعلم وَلَيْسوا من أَهله مِمَّن قد أغراه الشَّيْطَان بالوقيعة فِيهِ بقوله وَفعله ،أَتَرَى مَا نظرُوا ببصائرهم إِلَى صفاتهم وَصِفَاته وسماتهم وسماته، وتحاسدهم فِي طلب الدُّنْيَا وفراغه عَنْهَا، وتحاشدهم فِي الاستكثار مِنْهَا ومبالغته فِي الْهَرَب مِنْهَا، وَخدمَتهمْ الامراء وَاخْتِلَافهمْ إِلَى أَبْوَابهم وذل الْأُمَرَاء بَين يَدَيْهِ وَعدم اكتراثه بكبرائهم وأترابهم ومداجاتهم و تعبداتهم، وصدعه إيَّاهُم بِالْحَقِّ وَقُوَّة جأشه فِي محاورتهم، بلَى وَالله وَلَكِن قَتلتهمْ الحالقة حالقة الدّين لَا حالقة الشّعْر وغطى على أحلامهم حب الدُّنْيَا السارقة سارقة الْعقل لَا سارقه الْبدن، حَتَّى أَصْبحُوا قاطعين من يَأْتِيهم فِي طلبَهَا واصلين من واصلهم فِي جلبها” ص45

” وَأظْهر لي من حسن الْأَخْلَاق وَالْمُبَالغَة فِي التَّوَاضُع بِحَيْثُ أَنه كَانَ إِذا خرجنَا من منزله بِقصد الْقِرَاءَة يحمل هُوَ بِنَفسِهِ النُّسْخَة وَلَا يدع أحدا منا يحملهَا عَنهُ وَكنت أعْتَذر اليه من ذَلِك خوفًا من سوء الْأَدَب فَيَقُول لَو حَملته على رَأْسِي لَكَانَ يَنْبَغِي أَلا احْمِلْ مَا فِيهِ كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم! وَكَانَ يجلس تَحت الْكُرْسِيّ ويدع صدر الْمجَالِس حَتَّى إِنِّي لأَسْتَحي من مَجْلِسه هُنَاكَ وأعجب من شدَّة تواضعه ومبالغته فِي إكرامي بِمَا لَا اسْتحق ورفعي عَلَيْهِ فِي الْمجْلس وَلَوْلَا قراءتي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعظم حرمتهَا لما كَانَ يَنْبَغِي لي ذَلِك وَكَانَ هَذَا حَاله فِي التَّوَاضُع والتنازل والاكرام لكل من يرد عَلَيْهِ اَوْ يَصْحَبهُ أَو يلقاه حَتَّى أَن كل من لقِيه يَحْكِي عَنهُ من الْمُبَالغَة فِي التَّوَاضُع نَحوا مِمَّا حكيته وَأكْثر من ذَلِك فسبحان من وَفقه وَأَعْطَاهُ وأجراه على خلال الْخَيْر وحباه” ص50

وَمَا رَأَيْت احدا كَانَ أَشد تَعْظِيمًا للشَّيْخ من أَخِيه هَذَا أَعنِي الْقَائِم بأوده [يعني خدمته] وَكَانَ يجلس بِحَضْرَتِهِ كَأَن على رَأسه الطير وَكَانَ يهابه كَمَا يهاب سُلْطَانا وَكُنَّا نعجب مِنْهُ فِي ذَلِك ونقول من الْعرف وَالْعَادَة أَن اهل الرجل لَا يحتشمونه كالاجانب، بل يكون انبساطهم مَعَه فضلا عَن الاجنبي، وَنحن نرَاك مَعَ الشَّيْخ كتلميذ مبالغ فِي احتشامه واحترامه! فَيَقُول إِنِّي ارى مِنْهُ اشياء لَا يَرَاهَا غَيْرِي أوجبت عَليّ ان أكون مَعَه كَمَا ترَوْنَ وَكَانَ يسْأَل عَن ذَلِك فَلَا يذكر مِنْهُ شَيْئا لما يعلم من عدم إِيثَار الشَّيْخ لذَلِك” ص52

“و كرامات الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ كَثِيرَة جدا لَا يَلِيق بِهَذَا الْمُخْتَصر اكثر من ذكر هَذَا الْقدر مِنْهَا وَمن أظهر كراماته أَنه مَا سمع بِأحد عَادَاهُ اَوْ غض مِنْهُ إِلَّا وابتلي بعدة بلايا غالبها فِي دينه وَهَذَا ظَاهر مَشْهُور لَا يحْتَاج فِيهِ الى شرح صفته” ص58

” وحَدثني من اثق بِهِ أَن الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ كَانَ لَا يرد أحدا يسْأَله شَيْئا كتبه … كَانَ الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ يُنكر إنكارا شَدِيدا على من يسْأَل شَيْئا من كتب الْعلم الَّتِي يمكلها ويمنعها من السَّائِل وَيَقُول مَا يَنْبَغِي ان يمْنَع الْعلم مِمَّن يَطْلُبهُ” ص62

” وَأَخْبرنِي من لَا اتهمه أَن الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ حِين وشي بِهِ الى السُّلْطَان الْمُعظم الْملك النَّاصِر أحضره بَين يَدَيْهِ، قَالَ فَكَانَ من جملَة كَلَامه: إِنَّنِي أُخبرت أنك قد أطاعك النَّاس وَأَن فِي نَفسك أخذ الْملك، فَلم يكترث بِهِ بل قَالَ لَهُ بِنَفس مطمئنة وقلب ثَابت وَصَوت عَال سَمعه كثير مِمَّن حضر: أَنا أفعل ذَلِك! وَالله إِن ملكك وَملك الْمغل لَا يُسَاوِي عِنْدِي فلسين، فَتَبَسَّمَ السُّلْطَان لذَلِك وأجابة فِي مُقَابلَته بِمَا اوقع الله لَهُ فِي قلبه من الهيبة الْعَظِيمَة: إِنَّك وَالله لصَادِق وَإِن الَّذِي وَشَيْء بك إِلَيّ كَاذِب، وَاسْتقر لَهُ فِي قلبه من الْمحبَّة الدِّينِيَّة مَا لولاه لَكَانَ قد فتك بِهِ مُنْذُ دهر طَوِيل من كَثْرَة مَا يلقى اليه فِي حَقه من الاقاويل الزُّور والبهتان مِمَّن ظَاهر حَاله للطغام الْعَدَالَة وباطنه مشحون بِالْفِسْقِ والجهالة.

وَلم يزل المبتدعون أهل الاهواء وآكلو الدُّنْيَا بِالدّينِ متعاضدين متناصرين فِي عدوانه باذلين وسعهم بالسعي فِي الفتك بِهِ متخرصين عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ الصراح مختلقين عَلَيْهِ وناسبين اليه مَا لم يقلهُ وَلم يَنْقُلهُ وَلم يُوجد لَهُ بِهِ خطّ وَلَا وجد لَهُ فِي تصنيف وَلَا فَتْوَى وَلَا سمع مِنْهُ فِي مجْلِس” ص65

“كَانَ رَضِي الله عَنهُ من أعظم اهل عصره قُوَّة ومقاما وثبوتا على الْحق وتقريرا لتحقيق تَوْحِيد الْحق، لَا يصده عَن ذَلِك لوم لائم، وَلَا قَول قَائِل، وَلَا يرجع عَنهُ لحجة مُحْتَج، بل كَانَ إِذا وضح لَهُ الْحق يعَض عَلَيْهِ بالنواجذ وَلَا يلْتَفت الى مباين معاند، فاتفق غَالب النَّاس على معاداته، وَجُل من عَادَاهُ قد تستروا باسم الْعلمَاء والزمرة الفاخرة، وهم أبلغ النَّاس فِي الاقبال على الدُّنْيَا والاعراض عَن الاخرة، وَسبب عدواتهم لَهُ أَن مقصودهم الاكبر طلب الجاه والرئاسة وإقبال الْخلق وراءه” ص 67

“وَقَالَ – شيخ الإسلام في سجنه قُبيل وفاته- مَا مَعْنَاهُ: إِنِّي قد أحللت السُّلْطَان الْملك النَّاصِر من حَبسه إيَّايَ، لكَونه فعل ذَلِك مُقَلدًا غَيره مَعْذُورًا، وَلم يَفْعَله لحظ نَفسه، بل لما بلغه مِمَّا ظَنّه حَقًا من مبلغة، وَالله يعلم أنه بِخِلَافِهِ، وَقد أحللت كل وَاحِد مِمَّا كَانَ بيني وَبَينه إِلَّا من كَانَ عدواً لله وَرَسُوله” ص72

و لقد وضع محقق الكتاب خطاً زمنياً للحوادث الكُبرى في حياة شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه:

1.jpg

2

3.jpg

4.jpg

5.jpg


الكتاب كاملاً مصوراً ضوئياً:

 

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s