أخي المسلم،
قبل أن تقبل أي عمل في القطاع المالي والمصرفي والتأمين وسائر المعاملات المالية، يجب عليك أن تعلم الحكم الشرعي لهذا العمل.
وطريق العلم: إما بالتعلم وطلب العلم، وذلك بتعلم حدود ما أنزل الله على رسوله لتميزَ به الخبيث من الطيب.
وإما إن ضاق وقتك عن ذلك، فيجب عليك سؤال من يغلبُ على ظنك أنه يُفتيك بمراد الله عز وجل ويرشدك بالدليل إلى الحكم الشرعي لهذا العمل وهذه المؤسسة قبل أن تخطو إليها خطوة، فيكون إقدامك وإحجامك عن علم وبصيرة.
وإن الواقع المؤلم يشهد أن الأحكام الشرعية للمعاملات المالية صارت خافية على كثير من الناس، فهي ليست مشهورة متداولة بين الناس كسائر أحكام العبادات، حتى على طلبة العلم! إلا من رحم ربي.
وفي بعض البلاد مثل مصر، قل ما يوجد في الأوساط الرسمية والإعلام من يتكلم في مسائل المعاملات المالية بعلم وعدل، بله يجمعون بين الغفلة بالواقع والخطأ في الحكم، وذلك في واحدة من أعظم قضايا الاقتصاد المعاصر وهي الفائدة والبنوك،.. وإلى الله المشتكى.
واعلم أخي المسلم أنه ليس كل خلاف له حظ من النظر، وليس كل خلاف يعد من الخلاف المعتبر، وأن الأهواء تدخل على المنتسبين للعلم أكثر مما تدخل على غيرهم، وأن كثير ممن يحسبهم الناس علماءً هم عوام، لم يعرفوا حدود ما أنزل الله على رسوله، ولم يستكملوا الإيمان الواجب…إنما الناس أسرى الألقاب والشهادات والمناصب والبرامج…والبلاد التي يتصدر فيها هؤلاء فإنك تجد عوامهم من أشد الناس جدلاً، وأكثرهم تفلتاً من دين الله، وأوسعهم حيلاً ومكراً، وتفشوا فيهم المُنكرات أكثر من غيرهم.
لذلك فعليك أن تجتهد في سؤال من يغلب على ظنك أنه يفتيك بمراد الله عز وجل، لا من يغلب على ظنك أنه يفتيك بما تهوى، فإن الشريعة جُعلت لإخراج المُكلف عن داعية هواه، كما قال الله لنبيه داوود – {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} سورة ص-الآية 26.
والحكم على الشركات والمؤسسات المالية والعقود يحتاج لمعرفة الواقع ودراية بكيفية عمل الشركات والمنتجات المالية في الأسواق وما إلي ذلك من نماذج العمل وكيفية جني الارباح، بالإضافة للعلم الشرعي بأصول البيوع الشرعية وحدود ما أنزل الله على رسوله مما يفصل بين الحلال والحرام في كل ذلك.
لقد طالعت فتواى كثيرة لكبار أهل العلم، واستمعت بنفسي لأسئلة كثيرة، فيهما مرُ الشكوى وأشد الندامة، من أُناسِ صالحين خاضوا غمار العمل سنين عددا، ثم تبين لهم حُرمة مأكلهم وما أطعموا به أنفسهم وأهليهم، وصاروا يلتمسون المخرج.
فمنهم من ترك عمله المحرم لله عز وجل ولا يعرفُ عملاً غيره، ومنهم من بقي حتي يرزقه الله رزقاً حلالاً، ومنهم من تتبع الرخص وشواذ الفتاوى ليسكن ضميره من بعد ما تبين له الحق، ومنهم من كذب بالحق وعاند، والكل موقوف بين يدي الله مسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.
والخلاص من تبعة المال المكتسب من الوظائف المحرمة أمر عسير قد تباينت فيه اجتهادات أهل العلم، فمنهم من غَلبَ عفو الله عن التائب ومنهم من غَلبَ الورع وإبراء الذمة، ولكل قول وجه من الدليل، وليس هذا مقام التفصيل.
أخي المسلم، قبل أن تزل قدمك وتخلط لحمك وعظمك أنت وأهلك بالمال الحرام، فعليك أن تتقي الله وتتعلم أو تسأل، واعلم أنك مؤاخذٌ ملامٌ بترك العلم قبل العمل، وهذا العلم فريضة في حقك ليس نافلة، فهذا العلم هو الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة في مقدمة السُنن (224) “طلبُ العلم فريضة على كل مسلم”، قال ابن المبارك -من علماء السلف – :“…هو أن يقع الرجل في شيء من أمو دينه فيسأل عنه حتى يعلمه”.
واعلم أخي المسلم أن تحري أكل الحلال يحتاج لعلم وبحث ومشقة، وهو من أعظم ما تؤجر عليه إن صلحت نيتك و حسُن عملك بما علمت.
هذه نصيحة مُشفق على نفسه وعلى إخوانه والله المستعان،
وصل اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
هاني حلمي