سأل سائلٌ كريم:
أعمل في مجال الشقق المفروشة، فيأتيني شخص أحيانا، يستأجر شقة لمدة شهر، ثم بعد أسبوع مثلا، يحصل أحد هاتين الصورتين:
الأولى: أن يطرأ، للمستأجر ظرف سفر أو غيره، فيضطر للخروج من الشقة.
الثانية: أن يقع منه ما يخل بالآداب الشرعية، بأن يستعمل الشقة لغرض غير مأذون به، شرعا.
فهل أنا ملزم بإرجاع بقية قيمة الإيجار، وهل يؤثر في هذا أن يكون منصوصا على ذلك في العقد أو لا ؟
وجزاك الله خيرا..
فأجبته مستيعناً بالله…
أخي الكريم،
الإجارة عقد لازم عند الجمهور، أي يجب الوفاء به ولا ينفرد أحد الطرفين بفسخه، إلا إذا تراضى الطرفان على فسخه، وعلى ذلك فإن أجرة المدة المتفق عليها تلزم المستأجر وإن لم يستوف المستأجر المنفعة، ما دام أن المؤجر قد مكنه من العين المؤجرة وليس بها ما يمنع الانتفاع بها.
وقد تطرأ على أطراف العقد بعض الأعذار، ويفرق الجمهور بين الأعذار العامة التي تصيب كل الناس (الجوائح) مثل الطوفان والحرب، والاعذار الخاصة التي تخص المستاجر (مثل السفر الطارئ كما في السؤال).
وبناء على لزوم عقد الإجارة عند الجمهور فهم لا يجوزون الفسخ بالأعذار الخاصة، خلافاً للحنفية فهم يسوغون فسخ الإجارة بالأعذار الخاصة:
قال الكاساني من فقهاء الحنفية في الإجارة من كتاب بدائع الصنائع (ج 4 ص: 197) “إن الفسخ في الحقيقة امتناع من التزام الضرر، وإن إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن العقد والشرع؛ لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلاً لقلعها، فسكن الوجع يجبر على القلع، وهذا قبيح عقلاً وشرعاً”.
فإن وقعت ضرورة للمستأجر كما بالصورة الأولى من السؤال، فللمؤجر أن يتمسك بلزوم العقد ويأخذ أجرة المدة كاملة، إلا أن الاقرب للتقوى إقالة المستأجر، ويأخذ المؤجر أجر المدة التي مكثها المستأجر فقط دون زيادة، ولا يستوفي أجر المدة كاملة.
ففي سنن أبي داوود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ “.
قال صاحب عون المعبود في شرح سنن أبي داوود:
“(من أقال مسلما) أي: بيعه. (أقاله الله عثرته) أي: غفر زلته وخطيئته. قال في “إنجاح الحاجة”: صورة إقالة البيع إذا اشترى أحد شيئا من رجل ثم ندم على اشترائه إما لظهور الغبن فيه أو لزوال حاجته إليه أو لانعدام الثمن فرد المبيع على البائع وقبل البائع رده أزال الله مشقته وعثرته يوم القيامة لأنه إحسان منه على المشتري، لأن البيع كان قد بت فلا يستطيع المشتري فسخه.” انتهى.
قلتُ: والإجارة بيع المنافع، فيسري عليها ما للبيع من أحكام، بما فيها إقالة البيع كما بالحديث.
أما الصورة الثانية، وهي إخلال المستأجر بالآداب العامة واستهتاره بمحارم الله وجهره بها في المحل المستأجر،فهذا يعدُ تعدٍ على مقتضى العقد، إذ أن مقتضى العقد السُكنى، والمستأجر تعداه إلى البغاء.
فأرى أن تنصحه أولاً وتذكره بالله عز وجل، فإن أبى إلا الاستمرار في الباطل، فلك أن تطالبه بإخلاء السكن ولك أن تستوفي الأجرة كاملة، وتتمسك بلزوم الأجرة كاملة عن المدة، وأن رأيت المصلحة في الإقالة أقلته واستوفيت مدة مكثه لا غير، اتقاءً لشره وتقليلاً لفساده.
أما إن كان استيفاء كامل الأجرة منصوصاً في شروط العقد، فهو شرط صحيح موافق لمقتضى العقد، فإن الشروط المنصوصة بعقد الإيجار يجب الوفاء بها، لقوله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً، وإلا شرطاً ليس من مقتضى العقد، فيُنظر فيه هل يبطلُ هذا الشرط جميع العقد، أم يبطل الشرط ويبقى العقد صحيحاً بدونه.
والله أعلم،
هاني