متاهة الحاكمية| أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية…!

وقعت عيني اليوم في مكتبتي على هذا الكتاب، وهو أحد الكتب التي اقتنيتها من معرض الشارقة للكتاب منذ ثلاثة أعوام تقريباً، و أذكر أنني مكثت عند البائع ساعة أنظر في الكتاب، حتى أنني لم استطع مفارقة البائع إلا وقد اشتريت الكتاب، رغم أنه كان مبالغاً في سعره لثلاثة أضعاف!

والكتاب على شروط القوم الأكاديمية والعلمية، مكتوب بلغتهم الثقيلة، وهو في الأصل أطروحة دكتوراة، نوقشت وأجيزت في جامعة القاهرة، كلية دار العلوم، قسم الفلسفة الإسلامية عام 2015، نشر الكتاب مركز دراسات الوحدة العربية في نفس السنة.

ولا أوافق المؤلف على أشياء لا تقدح في فائدة الكتاب؛ ومنها بعض المصطلحات التي تحمل حقاً وباطلاً.

وخلاصة الكتاب أن أغلب هذه الفرق لم تستند لشيخ الإسلام في شيء؛ بل عارضوه وخالفوه صراحة؛ واستخدموا كلامه لترويج باطلهم، “وكان شيخ الإسلام ابن تيمية سنداً موظفاً ومؤولا وليس مرجعية أصيلة…” على حد وصف المؤلف.

ودونكم النتائج وخلاصات المؤلف من ذيل الكتاب:

“غلب على القراءات الجهادية لشيخ الإسلام ابن تيمية الابتسار والاقتطاف دون انتباه إلى مجمل الخطاب، ووقعوا في مناطق الاشتباه دون المحكم الضابط من هذا الخطاب.

١- كثيرا ما خالف السلفيون الجهاديون ابن تيمية في العديد من المسائل وخطأوه، وهو ما ينفي كونه ملهمة أو مرجعاً، ولكنه كان توظيفا لغاية الحاكمية، فرغم اللبوس والصياغات السلفية لهذا الخطاب إلا أنه يغرق في تأويلية جديدة تستهدف الحاكمية فقط.

۲- إن الضبط المنهجي في قراءة خطاب شيخ الإسلام ابن تيمية عاصم مهم من الخطأ والزلل في فهمه، وتقترح هذه الرسالة منهج المقولات الحاكمة والتصورات الرئيسة كنهج يستطيع أن يجمعها ويحدد أولويتها في تجديد وتمكين أهل السنة والجماعة في مواجهة الخطر الداخلي المتمثل بالفكر الباطني والفرق الضالة والمبتدعة، وما رآه انحرافا لدى بعض المنسوبين لأهل السنة كالصوفية والأشعرية، وفي مواجهة الخطر الخارجي المحدق بالأمة من المغول والصليبيين وموالاة هذه الفرق لهم.

٣- في الموقف من التكفير: بينما يبدو شيخ الإسلام ابن تيمية رافضاً ومنكراً لتكفير المعين، يحضر إصرار الجماعات الجهادية المعاصرة على مسائل التكفير، سواء في ذلك تكفير المعين أو التكفير استنادا إلى أحكام الديار، واعتراض بعضهم على آرائه فيها صراحة، وخرجوا عليها ولم يقبلوا آراءه فيها، ولم يلتزموا منهجه مخالفين له، رغم أنهم يستندون بشكل رئيس لفتواه في ماردین التي هي جزء من تصوره للديار في الإسلام.

٤- في الموقف من مسألة الإمامة والحكم: لم تكن الإمامة ومسألة الحكم مسألة أولوية أو رئيسة في خطاب شيخ الإسلام ابن تيمية وجهاده، على العكس من الحركات والجماعات الجهادية، وأكد شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ردا على الشيعة أنها ليست من أشرف المسائل في الدين، بل مسألة متأخرة، فقد كانت قضيته الأولى هي التوحيد وإصلاح عقائد الناس وفهمهم للدين، والخوف من الفرق والبدع أكثر من خوفه من الملل والنحل الأخرى.

٥ – واقعية الفهم السياسي والجهاد: تعاطي شيخ الإسلام ابن تيمية مع السياسة والحكام تعاطية واقعية قائمة على النصح والنقد السلمي والمدني، وهي سمة عامة للمذهب الحنبلي، سبقه إليها الإمام أحمد بن حنبل، وجددها ابن تيمية بمنهجه الحجاجي الذي كان فيه سامقاً عن سابقيه ولاحقيه من الحنابلة والمنتمين لأهل الحديث، واعترف وأكد أهمية الشوكة في الحكم، وكذلك على جواز تعدد الحكم في العالم الإسلامي، كما يميل موقفه في الجهاد لجهاد الدفع على جهاد الطلب.

٦- إهمال الجهاديين للنظرية السياسية عند ابن تيمية: أهملت السلفية الجهادية والحركات التابعة لها في مرحلتها الأولى، وفي مراجعاتها، أيضا النظرية السياسية الإسلامية السنية في الإمامة، حين قبلت منذ البداية بالخروج الذي كان سمة للفرق غير السنية كالشيعة والخوارج، والخروج يبدو مستبعداً في فكر وسيرة شيخ الإسلام الذي كان يتحرك دائما من داخل المشروعية الحاكمة وليس خارجاُ عليها. كما أخطأ الجهاديون في إهمالهم قراءة التاريخ الجهادي لابن تيمية، ففتواه في التتر محرفة في طبعتها عن أصلها، كما أن تاريخه الجهادي يؤكد أن التتر أو غيرهم لم يكن أولويته بل الفرق الأخرى.

۷- في الموقف من المخالفين، بينما تشتد الحركات الجهادية مع مخالفيها، تبديعاً أو تكفيراً، نجد شيخ الإسلام ابن تيمية نافراُ من تكفير المخالفين أو تبديعهم، يرفض التعيين، يخطئ ولا يكفر، ويصوب ولا يقصي، وفي مواقفه من منتقديه وأسباب محنته کنصر المنبجي وابن عطاء الله وغيرهم واحترامه لمخالفتهم دليل واضح على ذلك كما بينت بعض أجزاء هذه الدراسة.

۸- المراجعات وتصحيح المفاهيم: عادت السلفية الجهادية في مراجعاتها عما سبق أن أكدته، وعادت لآراء ابن تيمية في ما سبق أن خالفته فيها، وخاصة ما يتعلق بمسألتي حكم الدار والعذر بالجهل والتكفير دون شرط الجحود والاستحلال.

٩- الوعي التاريخي عند شيخ الإسلام ابن تيمية: تمیز خطاب شيخ الإسلام ابن تيمية وممارسته بالاعتبار التاريخي والوعي بالمآلات ونتائجه، وهو ما عادت له هذه الجماعات في مراجعاتها، وإن لم تشملها، فقد اعتمدت فقه المالات وفقه التاريخ، بعد أن كان يرفض بعض منظريها هذا التطور التاريخي ويتعالی علیه، رافضة ما اصطلح عليه ب «فقه السيرة»، بينما شیخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه – خطابه التاريخي – أو في تأسيساته الثابتة يعطي اعتبارة كبيرة للسيرة ولتاریخ النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده، في فهم الأحكام والوقائع.

١٠- في فتوى التتر: ابتسرت السلفية الجهادية فتاوی ابن تيمية التاريخية كفتوى التتر بالخصوص عن سياقاتها وتجاهلت محل الفتوى وخصوصيته التاريخية والثقافية والاجتماعية، أو تحقیق مسألتها تاريخية، كما ابتسرت فتوى التترس وغيرها من فتاوی ابن تيمية.

۱۱ – اخطاء الجهاديين: أبرزنا في هذه الدراسة أخطاء السلفية الجهادية في قراءتها لشيخ الإسلام ابن تيمية وللمنظومة السلفية بعموم، من خلال تنظيماتها المختلفة، وأوضحنا كيف أنها خلطت بين الزمني والتاريخي من جهة وبين العقيدي والثابت من جهة أخرى، واستخدامها مفاهيم وحمولات ابن تيمية النظرية بالمفاهيم نفسها المعاصرة والخاصة لها، ومن ذلك على سبيل المثال مفهوم الشريعة الذي يستخدمه ابن تيمية بمفهوم كل الدین اعتقاد وشرائع، وخاصة الأولى، بينما نستخدمه هي بمفهوم القوانين والتشريعات الإسلامية، كما أن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته کابن القيم في الطرق الحكمية أجاز التوسع في الاجتهاد السياسي لأنه والجهاد مسائل تقديرية واجتهادية، وشرع الأخير للضرورة.

كما أوضحنا كيف حدث التنازع والتصحيح لفهم ابن تيمية في المراجعات، مع اختلاف درجاتها، وكيف كان موضع نزاع مستمر، بین خطاب ما يعرف بالدعوات السلفية من جهة والسلفية الجهادية من جهة أخرى، كما كان بين تأسیسات السلفية الجهادية الأولى وبين مراجعاتها الثانية، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية سندا موظفا ومؤولا وليس مرجعية أصيلة في كليهما مما يؤكد فرضيتنا على مشاكل القراءة لدى كثير من المنتسبين إليه.

۱۲ ۔ سید قطب لم يقرأ تراث ابن تيمية: باستثناء السيد أبو الأعلي المودودي الذي عرف شیخ الإسلام ابن تيمية، ويبدو أنه استفاد من فكر ابن تيمية التوحيدي في «المصطلحات الأربعة”، يغيب ابن تيمية وخطابه وتراثه عند حسن البنا وسيد قطب، ما يجعلنا نرجح أن كليهما لم يطلع على تراث ابن تيمية، ولم يطلع عليه كذلك تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير، وإن استعان به الهضيبي في دعاة لا قضاة في ذم التكفير ورفضه، وأن هذه الحركات كانت منطلقة من كلامية أشعرية فكرية سیاسية، بعد سقوط الخلافة الإسلامية، أكثر من انطلاقها من النصوص أو المرجعية السلفية، ورغم أن السيد محمد رشید رضا عُرف تحوله الأكبر للدفاع عن فكرة الخلافة واستعادتها عقب سقوطها، إلا أنه كان أقرب لابن تيمية وللنص السلفي من حسن البناء الذي كان حركياً أكثر منه.

۱۳ – أولوية الدعوة على السلطة عند ابن تيمية: تثبت دراسة ابن تيمية هنا ومراجعته المستقلة وكذلك مراجعات السلفية الجهادية بعد تأسيساتها الأولى أن ثمة فروقاً بين شيخ الإسلام والحركات الجهادية المعاصرة، أهمها أن أولويات ابن تيمية كانت الدعوة على السلطة، وأولوية الأمة على الإمامة، وتعيد للمجتمع المسلم حيويته ومعیارینه الأخلاقية وصفاءه العقدي بعيدة من سراديب السلطة واختلافات الإمامة.

ختاماً كان ابن تيمية كما وصفه المودودي نفخة صور أيقظت المسلمين، نفخة صور تمتد وجدانياً بالنقل لتؤثر في العموم وليس فقط الخاصة والنخبة، كما كانت دعوة جمال الدين الأفغاني، أو بالتأويل العقلي والمصطلحات الجديدة كما كانت بعض الدعوات الإسلامية الأخرى، وفي دعوته الإصلاحية ذات الطبيعة الحنبلية الزهدية الورعة في موضع السلطة درس كبير للمسلمين في أيامنا، الذين اهتموا بالبني الفوقية ورؤوس السلطة والتغير دون تغيير الثقافة والمجتمع.”

من منشوراتي على صفحة فيسبوك بتاريخ 6 مايو 2020.

هاني حلمي

فكرة واحدة على ”متاهة الحاكمية| أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية…!

  1. تعقيب: متاهة الحاكمية| أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية…! — هاني حلمي | Mon site officiel / My official website

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s