السلام عليكم؛
تاجر باع سلعته بالأقساط، فتخلف المشتري عن دفع بعض هذه الأقساط، فهل يحل له أن يزيد في السعر نظير تأخره في دفع الأقساط ؟-وللعلم أنه تأخر بدون عذر لمدة عامين – ، وإن كان لا يحل، فكيف له أن يعوض خسارته التي تسبب فيها المشتري؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛
إذا اتفق البائع والمشتري على البيع بالأقساط؛ وتم تحديد عدد الأقساط؛ وأجل كل منها؛ ثم تخلف المشتري عن سداد بعض ما عليه من أقساط في وقتها؛ فلا يجوز الزيادة على الأقساط؛ أو زيادة سعر السلعة؛ وهذه الزيادة تعد زيادة ربوية.
وتفصيل ذلك؛ أنه بعد وقوع البيع؛ وتملك المشتري السلعة؛ صارت الأقساط ديناً في ذمته؛ والديون لا يجوز الزيادة عليها إذا تخلف المدين عن سدادها؛ فالزيادة على أصل الدين للتخلف عن السداد هي في حقيقتها زيادة أجل الدين بزيادة على أصل الدين؛ وهو ربا الجاهلية المذكور في القرآن؛ إذ كان الدائن يقول للمدين عند حلول أجل الدين ” أتقضي أم تُربي” ؛ يعني اتقضي دينك الحال أم نزيد في دينك وتقضي في أجل أخر بعده…
والمشروع هو إنظار المدين المُعسر إلى ميسرة؛ وأما إن كان غنياً مماطلاً فيرفع أمره للقضاء؛ ولا يجوز للدائن أن يأخذ أكثر من دينه؛ وإن حكم القضاء بزيادة ربوية على أصل الدين لا يأخذها؛ وقيل يأخذ المصروفات الفعلية للتقاضي؛ جبراً للضرر.
ويجوز الكلام في المدين المماطل وتحذير الناس من معاملته؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ” ؛ و “لَيُّ الْوَاجِدِ” أي: مطل القادر على قضاء دَينه… والذي يعاقبه هو ولي الأمر أو القاضي الذي ينوب عنه؛ وليس للناس أن يعاقبوا بعضهم بعضاً! وإلا انفلتت الأمور…
ومن الحلول العملية التي يقوم بها التجار في هذه الحالات؛ وضع (تخفيض) شيء من الاقساط مع تحصيل باقي القسط؛ وهذا يجوز من باب الصلح؛ فيقول البائع للمشتري؛ مثلاً: في ذمتك خمسة أقساط باقية؛ ادفع لي ثلاثة معجلة؛ وينتهي الدين أو المعاملة؛ وهذا افضل من اللجوء للقضاء الوضعي.
ودليل ذلك عند البخاري رحمه الله في الصحيح من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى : ” يَا كَعْبُ “، قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ : ” ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا “. وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيِ الشَّطْرَ، قَالَ : لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ : ” قُمْ فَاقْضِهِ “.
كذلك من الحلول العملية؛ قبل اتمام البيع؛ الاستيثاق للدين؛ إما برهن شيء؛ واختلف أهل العلم في رهن المبيع نفسه!؛ أو بكتابة شيك؛ أو وصل أمانة؛ وخلافه…
والله أعلم؛
هاني حلمي