بيان براءة شيخ الإسلام بن تيمية من بدعة الاحتفال بالمولد النبوي…!

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛

في هذه الصورة المنشورة على صفحة فيس بوك “أزهر تي في” بتر لكلام لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله عن المولد النبوي وإخراجه عن سياقه؛ من أجل الاستدلال به على جواز بدعة اتخاذ المولد عيداً…!

وهؤلاء أصحاب الصورة لا ينقلون عن شيخ الإسلام في قليل أو كثير إلا مبتوراً أو مشوهاً؛ ويلصقون فريتهم بشيخ الإسلام لعلمهم ما له من مكانة عالية عند المسلمين كافة؛ يخدعون بذلك الناس؛ ولا يخدعون إلا أنفسهم؛ ونحن نعلم أنهم خلاف طريقة شيخ الإسلام في الأصول والفروع!

وعندي أمثلة على ذلك في أبواب المعاملات؛ يحضرني منها حين استشهد علي جمعة بكلام لشيخ الإسلام في سياق فتواه لتحليل فوائد البنوك! و إنما حشروا اسمه ليخدم مصالحهم، والقارئ المسكين غير المتخصص قد يلتبس عليه أن مذهب شيخ الإسلام جواز تلك الفوائد، لا أن المقصود هو أن إحداث عقود جديدة هو مذهب شيخ الإسلام … وعلي جمعة –خاصة- لا يستشهد بكلام شيخ الإسلام في صغيرة ولا كبيرة! بل كثيراً ما يتطاول عليه بالكذب والباطل!

فشيخ الإسلام عند هؤلاء” سنداً موظفاً ومؤولاً وليس مرجعية أصيلة” كما قال الدكتور هاني نسيرة عن جماعات الخوارج والإرهاب في تعاملهم مع كلام شيخ الإسلام! فما أشبه بعضهم ببعض!

و فيما يلي كلام شيخ الإسلام كاملاً من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم؛ بنفس ترتيبه في الكتاب؛ منقولاً من المكتبة الشاملة؛ مع وضع رقم لكل فقرة لتسهيل الإشارة إليها؛ فالكلام في الصورة هو عند الفقرة الخامسة مما يلي:

تحت عنوان [فصل في الأعياد الزمانية المبتدعة: أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة] … إلى أن قال:

“(١) … وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع. وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه. وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمًا. والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع- من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا. مع اختلاف الناس في مولده. فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص.

(٢) وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان. وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حراصًا على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حسن القصد، والاجتهاد الذين يرجى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول، عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه وبمنزلة من يزخرف المسجد، ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلًا، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع، ويصحبها من الرياء والكبر، والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها، كما جاء في الحديث: «ما ساء عمل أمة قط إلا زخرفوا مساجدهم».

(٣) واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير، لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شر، من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل خيرًا بالنسبة إلى [ما اشتمل عليه من أنواع المشروع وشرًا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من] الإعراض عن الدين بالكلية كحال المنافقين والفاسقين وهذا قد ابتلى به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة، فعليك هنا بأدبين:أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنًا وظاهرًا، في خاصتك وخاصة من يطيعك. وأعرف المعروف وأنكر المنكر.الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه، ولكن إذا كان في البدعة من الخير، فعوض عنه من الخيرالمشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئًا إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرًا إلا إلى مثله أو إلى خير منه، فإنه كما أن الفاعلين لهذه البدع معيبون قد أتوا مكروهًا، فالتاركون أيضًا للسنن مذمومون، فإن منها ما يكون واجبًا على الإطلاق، ومنها ما يكون واجبًا على التقييد، كما أن الصلاة النافلة لا تجب. ولكن من أراد أن يصليها يجب عليه أن يأتي بأركانها، وكما يجب على من أتى الذنوب من الكفارات والقضاء والتوبة والحسنات الماحية، وما يجب على من كان إماما، أو قاضيا، أو مفتيا، أو واليا من الحقوق، وما يجب على طالبي العلم، أو نوافل العبادة من الحقوق.ومنها: ما يكره المداومة على تركه كراهة شديدة.ومنها: ما يكره تركه أو يجب فعله على الأئمة دون غيرهم وعامتها يجب تعليمها والحض عليها والدعاء إليها.

(٤) وكثير من المنكرين لبدع العبادات والعادات تجدهم مقصرين في فعل السنن من ذلك، أو الأمر به. ولعل حال كثير منهم يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العبادات المشتملة على نوع من الكراهة. بل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه، فلا ينهى عن منكر إلا ويؤمر بمعروف يغني عنه كما يؤمر بعبادة الله سبحانه، وينهى عن عبادة ما سواه، إذ رأس الأمر شهادة أن لا إله إلا الله، والنفوس خلقت لتعمل، لا لتترك، وإنما الترك مقصود لغيره، فإن لم يشتغل بعمل صالح، وإلا لم يترك العلم السيئ، أو الناقص، لكن لما كان من الأعمال السيئة ما يفسد عليها العمل الصالح، نهيت عنه حفظًا للعمل الصالح.

(٥) فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس، ما يستقبح من المؤمن المسدد. ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحف ألف دينار، أو نحو ذلك فقال: دعهم، فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب، أو كما قال. مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة. وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجويد الورق والخط. وليس مقصود أحمد هذا، إنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة، وفيه أيضًا مفسدة كره لأجلها. فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا، وإلا اعتاضوا بفساد لا صلاح فيه، مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور: من كتب الأسمار أو الأشعار، أو حكمة فارس والروم.

(٦) فتفطن لحقيقة الدين، وانظر ما اشتملت عليه الأفعال من المصالح الشرعية، والمفاسد، بحيث تعرف ما مراتب المعروف، ومراتب المنكر، حتى تقدم أهمها عند الازدحام، فإن هذا حقيقة العلم بما جاءت به الرسل، فإن التمييز بين جنس المعروف، وجنس المنكر، أو جنس الدليل، وغير الدليل، يتيسر كثيرًا .فأما مراتب المعروف والمنكر، ومراتب الدليل، بحيث يقدم عند التزاحم أعرف المعروفين وينكر أنكر المنكرين، ويرجح أقوى الدليلين، فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين”

قلتُ (هاني): واضح جداً أن شيخ الإسلام يبين أن المؤمن الجاهل أو غير المسدد قد يؤجر على بدعة الاحتفال بالمولد النبوي لما قام في قلبة من المحبة وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ هي بدعة مشتملة على خير وشر؛ وقد يقع فيها من لا يعلم من باب العادة؛ والتقليد لمن يظن بهم الخير…

وأن الإقامة على البدعة في حق بعض الناس قد يكون أخف ضرراً في حقهم من تركهم لينتقلوا إلى بدعة أشنع أو معصية أكبر! وهذا تقرير لقضية أحوال؛ لا أقرار للبدعة؛ فتنبه للفرق؛ فشيخ الإسلام يبين للمحتسب (الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر) مراتب تغيير المنكر وفقه النظر في حال الناس وما هم عليه… ولكن بعض ممن ينتسبون زوراً للعلم يقص من كلام شيخ الإسلام ليستدل على جواز الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيداً! مع أن كلام شيخ الإسلام في فصل (الأعياد الزمانية المبتدعة) ؛ وصرح بقوله في الفقرة الأولى أن اتخاذ يوم مولده عيداً بدعة!

وخذها نصيحة؛ من يقمش من كلام أهل العلم؛ ويطالع المقاطع لا يفلح أبداً؛ إنما الذي يثمر علماً أن تقرأ الكتاب من جلدته إلى جلدته؛ ثم تسأل الله أن يبارك لك في عقلك وأن يحرزك من مضلات الفهم؛ وتسأل عن ما أُشكل عليك؛ وتهتم بنقد الأفكار والمناهج وترد كل فكرة إلى أصولها من الكتاب والسنة؛ بلا تحزب ولا عصبية؛ ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s