بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛
يزعم هذا الرجل (أشرف الفيل) أن فوائد البنوك على الودائع بالجنيه المصري حلال، بينما فوائد البنوك على الودائع بالدولارالأمريكي حرام! كما بهذا المقطع
لماذا يا فضيلة الشيخ…؟
قال لأن الدولار قوة اقتصادية مرتبطة بنفسها وليست مرتبطة بشيء أخر! ولأن الجنيه مرتبط بالدولار صعوداً وهبوطاً، فتنخفض قيمة الجنيه 15 أو 20 بالمئة سنوياً…ثم ضرب مثالاً على انخفاض القوة الشرائية للجنيه…
ثم قال، فالبنك يعطيك الفوائد محاولة منه لتعويض خسارة قيمة الجنيه المصري…
ثم استطرد فذكر أن ربا القروض يجري في الذهب والفضة، فالفائدة على قرض الذهب حرام والفائدة على قرض الفضة حرام…
ثم قال لكن الجنيه صار غير مرتبطاً بالذهب أو الفضة هو مرتبط بشيء أخر… (يقصد الدولار) ثم أكد على أن الفائدة على الدولار حرام لذلك تجدها صفر في كل العالم!…
ثم استدرك على نفسه فقال حتى لو أخذت فائدة بسيطة على الدولار فهي كلام فاضي و مصاريف إدارية لا قيمة لها…
هذه خلاصة كلام الرجل… وكم تألمت من مجرد سماعه…
كتبتُ اسم الرجل على متصفح جوجل فوجدت له موقعاً خاصاً به، جاء في سيرته الذاتية:
“من علماء الأزهر الشريف حاصل علي الدكتوراة في الدعوة الاسلامية تحت عنوان “التعصب وسبل علاجه في عصر الخلفاء الراشدين “
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
حا صل علي ليسانس اللغة العربية من جامعة الأزهر
حا صل علي ليسانس الدعوة وماجستير في الدعوة الإسلامية
له العديد من البرامج التلفزيونية وله مؤلفات عدة
سافر إلي العديد من دول أوربا وأسيا وأفريقيا”
ولا يوجد شيء في سيرته الذاتية له علاقة بالاقتصاد أو التمويل أوالبنوك!
وقد ذكر مجرد سفره للعديد من دول أوروبا وأسيا وأفريقيا في صدر السيرة الذاتية! ليقول لك شيئاً؛ يفهمه المصري عن المصري …
بعيداً عن كلام الرجل عن نفسه، فأنا لا أعرفه إلا من مطالعة المقطع أعلاه، إلا أنه قد جمع من الهذيان في مقطع من ثلاثة دقائق ما لم يحتمله عقلي في يوم كامل، فدفعني للكتابة بعد سبات طويل… فجزاه الله عني خيراً.
الطامة الأولى في كلام الرجل هي فساد الاستدلال، فقد جعل المصلحة وحدها دليلاً على الإباحة الشرعية! دون النظر في المفاسد، فجعل مصلحة تعويض البنك انخفاض القيمة الشرائية للجنيه في صورة الفائدة (بزعمه) تعليلاً للإباحة الشرعية وهذا من أفسد الاستدلال، فليست كل مصلحة أو منفعة تكون مباحة إلا أن يكون نفعها أكبر إثمها؛ أما إن كان إثمها أكبر من نفعها؛ فهي مصلحة ملغاة في جانب الأثم؛ مثل الخمر، والأيات معروفة…
وقد شهد الرجل على نفسه بالجهل بنموذج عمل البنوك، ولو كلف نفسه بالبحث لدقائق عن نموذج عمل البنوك لما قال بهذا الهذيان…البنك الربوي هو مؤسسة تتاجر في النقد، يقترض منك البنك المال بفائدة سنوية 15% مثلاً ، ثم يقوم بإقراض نفس المال بفائدة سنوية 20%، وذلك عن طريق قروض السيارات والعقارات وبطاقات الائتمان وخلافه… وقروض المشروعات التي يمولها البنك، كمُقرض بفائدة وليس شريكاً بالمكسب والخسارة.فالبنك الربوي هو تاجر نقود، سلعته النقود، يقترضها بفائدة ويُقرضها بفائدة أكبر، وربح البنك يكون من فرق الفائدتين…بالإضافة إلى بعض الخدمات الأخرى.
وخدعوك فقالوا أن البنك يستثمر المال! البنوك لا تستثمرالمال ! بمعنى أدق: البنوك لا تخاطر بالمال مخاطرة تجارية Trade risk فتتحمل مكاسب التجارة وخسائرها، البنوك عملها هو في المخاطرة الإتمانية Credit risk، وهي مخاطر عدم القدرة على السداد أو التأخر في السداد وتعثر المقترضين…والبنوك المركزية لا تسمح للبنوك بالتجاره إلا في حدود ضيقة جداً، لأن التجارة ليست من ضمن رخصة عمل البنوك، فالبنوك لا تتاجر ولا تستثمر، وانظر في ميزانيات البنوك ستجد ما ذكرته لك صدقاً…كذلك فإن رؤوس أموال البنوك هي في الأساس لتغطية مخاطر الإئتمان، لأنه الخطر الرئيسي في عمل البنك…
وفيما يلي صورة من ميزانية بنك فيصل الإسلامي المصري، فيها صافي الدخل من العائد، وكلها من فوائد الديون مع البنوك الأخري أو الحكومة أو العملاء، وتلبيساً على الناس سموها ” عائد عمليات مشاركات ومرابحات ومضاربات” وهي أسماء العقود الشرعية للتمويل الإسلامي، لكن الحقيقة أن هذه العوائد هي فوائد ربوية من أذون خزانة مع الحكومة، أو ودائع مربوطة مع البنوك الأخرى أو الفوائد التي يدفعها العملاء المقترضين من البنك، وليس في هذه العقود عقد مشاركة أو عقد مرابحة أو عقد مضاربة على حقيقة ما تحمله هذه المسميات من معنى شرعي!

فوظيفة البنك باختصار هي الاتجار في الديون والقروض والائتمان؛ وخلق الديون والقروض والائتمان؛ و فوق ذلك فالبنوك لا تعطي الأموال للأجدر إنتاجياً إلا بفوائد مضاعفة؛ وتعطي الأموال للأجدر ائتمانياً وإن كان غير منتج؛ لذلك تذهب المليارات بفوائد قليلة لرجال الأعمال الكبار؛ ويدفع صاحب المشروع الصغير المبتدىء فوائد كبيرة مضاعفة…
والبنوك ليست مؤسسات خيرية تعوض الناس عن انخفاض القيمة الشرائية للعملة كما يزعم الرجل ، بل نموذج عمل البنوك الربوية هو من أكبر أسباب التضخم وانخفاض القيمة الشرائية للعملة، وذلك عن طريق التحكم في معدلات الفائدة من خلال البنوك المركزية… وأنظر مقال ” كيف يعمل الاقتصاد الربوي الرأسمالي…!” لمزيد فائدة.
فكلام الرجل قد أغفل الجانب الأخر من عمل البنوك وهوالإقراض بفائدة تزيد على فوائد الإيداع، وأغفل أن البنوك لا تقبل الخسارة التجارية ولا معدلات انخفاض القيمة الشرائية (التضخم) عذراً في تحصيل ديونها والفوائد عليها مع فوائد التأخير، والبنوك لا تترفق بأصحاب الرواتب التي لا تزيد بنفس معدلات التضخم وزيادة القوة الشرائية…فهؤلاء هم الذين يدفعون فوائد البنوك لأصحاب الودائع وكذلك هم من يدفعون أرباح البنك.
فلو قلبنا كلام الرجل على رأسه؛ وقلنا له لماذا لا يخصم البنك انخفاض القوة الشرائية للعملة عند تحصيل الفوائد على الديون؛ أسوة بتعويض البنك المودعين بفوائد تعوضهم عن انخفاض القوة الشرائية للعملة؟؟؟ بل الواقع أنه يأخذ فوائد من المقترضين أكبر مما يدفع للمودعين!!! فما عسى أن يكون رد الرجل على هذا الإلزام!
عودة لكلام الرجل في المقطع، فهو قد نظر لأثر نفعي ظاهري للفائدة البنكية، دون أن ينظر في الصورة الكبيرة للإقتصاد الرأسمالي الربوي، ونموذج عمل البنك كأحد أهم ألياته. وهو نظر مصلحي نفعي مجرد عن مقاصد الشريعة وأدلتها.
الطامة الثانية في كلام الرجل هي كلامه عن العملة وفساد تصوره لتكييف النقد فقهياً، والتفريق بين عملة وأخرى من حيث جريان الربا، وكذلك جهله بعمل البنوك مرة أخرى!
وخلاصة المسألة أنه قد تم نزع غطاء الذهب والفضة عن العملات منذ عقود من الزمن، و أن مقومات الورقة النقدية قوة وضعفًا صارت مستمدة مما تكون عليه حكومة الورقة النقدية من حال اقتصادية فتقوى بقوة دولتها وتضعف بضعفها…وأن قيمة العملة في ثقة الدول بها، وجعل الدولة للعملة قوة شرائية وجعلها أثمانًا للسلع ومقياسًا للقيم، ومستودعًا عامًا للادخار… فالغطاء الذي هو روح العملة، وسر الثقة بها موجودًا قائمًا ممثلًا فيما يثبت ملاءة الدولة وقوة إمكانياتها، ولا يلزم أن يكون من الذهب أو الفضة… بل كل موارد الدولة صارت غطاءً للعملة…
وعلى ذلك فإن الأوراق النقدية ثمن مستقل قائم بذاته، ويعتبر كل نوع منها جنسًا مستقلًا، فتتعدد الأجناس بتعدد جهات الإصدار، فالورق النقدي السعودي جنس، والدولار الأمريكي جنس، والجنيه المصري جنس، والدينار الكويتي جنس، وهكذا… و بهذا القول صدرت فتوى هيئة كبار العلماء بالبلاد السعودية، وقرار المجمع الفقهي الإِسلامي بمكة المكرمة، وعليه أكثر الباحثين المعاصرين…
وعلى ذلك فإن عدم وجود الغطاء الذهبي في خزينة الدولة لا يؤثر في بدلية النقود من النقدين (الذهب و الفضة)، وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية، حيث اتخذها الناس أثماناً بدلاً عن الذهب والفضة، فيقاس كل جنس من الورق النقدي على الذهب والفضة بجامع علة الثمنية ، فيأخذ كل جنس من النقد أحكام الذهب والفضة، و من أهمها:
– جريان الربا بنوعيه في النقود الورقية كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة.
– وجوب زكاة النقود الورقية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة.
ولمزيد فائدة حول هذا الموضوع الهام راجع مقالي “تاريخُ النقودِ الورقية و تكييفها الفقهي…!” –
و على نور وبينة مما سبق، ترى التنظير الفاسد لكلام الرجل، حيث فرق بين جريان الربا في الدولار وجريان الربا في الجنيه المصري! وكأنه يقول يجري الربا في الذهب ولا يجري الربا في الفضة، لأن الفضة مرتبطة بالذهب! ولا يقول بهذا الكلام عاقل يدري ما يخرج من رأسه! لكن الرجل قد أطلق كلاماً باطلاً ولا يدري لوازمه الباطلة…
ثم، لو اعتبرنا خلاف بعض أهل العلم في قياس النقد بالذهب والفضة؛ فهذا محله في ربا البيوع؛ وهو تبادل الأصناف الربوية الستة المذكورة في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ الذهب بالذهب، والفضة بالفضة…أما مسألة فوائد البنوك فهي أصالة من ربا الديون والقروض؛ وهو ربا الجاهلية المذكور في القرآن؛ ولا علاقة لها أصالة بالأصناف الربوية المذكورة في الحديث؛ فمن أقرض مالاً أي كان نوع هذا المال لا يحل له أن يشترط زيادة عليه عند السداد؛ ففي الحديث ” كل قرض جر نفعاً فهو ربا” ، قد روى وهب عن مالك ” كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا”.
فالرجل لا يميز بين ربا البيوع وربا الديون؛ إلا إن كان لا يرى الجنيه المصري مالاً من الأساس! وهذا محال.
وعلى ذكر اللوازم الباطلة…فلو سلمنا للرجل جدلاً أن الجنيه المصري لا يجري فيه الربا، وأن فوائد البنوك على الجنيه المصري حلال وفوائد الدولار حرام كما يزعم؛ فكيف يستقيم قوله إن علم أن البنوك المصرية عندها مبالغ كبيرة من أذونات الخزانة الأمريكية وهي سندات دين ربوية بالدولار، وتأخذ عليها فوائد بالدولار؛ وهذه الفوائد تُدفع منها فوائد للمودعين بالجنية المصري!
خذ على سبيل المثال بنك فيصل الإسلامي المصري، الذي تظهر ميزانيته المنشورة حجم الأوراق الحكومية بالدولار كما بالصورة أدناه، والأوراق الحكومية هي أذون خزانة (سندات دين ربوية) يتقاضى عليها البنك فائدة من الحكومة وتمثل جزء من عائد البنك، والذي بدوره يدفع منه الفوائد للعملاء بالجنيه المصري… كما يلي:

ثم، الدولار كذلك يقوى ويضعف وتزيد قيمته وتنقص؛ ولو أرادت الصين (أكبر دائني أمريكا بالدولار) غداً إضعاف الدولار لفعلت ذلك؛ بما تملك الصين من أذون خزانة بالدولار الأمريكي… فعلى التنظير الفاسد للرجل؛ تحرم كذلك الفائدة على الدولار أسوة بالجنية المصري! وهذا واضح في فساد علة التفريق بينهما.
ثم؛ إذا اعتبرنا سائر العملات بهذا التنظير الفاسد وقعنا في حيرة واضطراب شديد؛ لأنه معيار لا ينضبط شرعاً ولا عقلاً! ماذا عن الفوائد بالين الياباني؛ واليورو، والجنيه الاسترليني…
الأمر الاخر هو أن كان الربا لا يجري في الجنيه المصري فلماذا يقول بزكاة المال في الجنيه المصري في أخر جوابه! فالزكاة شرعت على النقدين (الذهب والفضة) وما قيس عليهما بعلة جامعة، فإن كان الرجل لا يرى أن الجنية المصري ثمناً مستقلاً بذاته يجري فيه الربا، فلأي صفة في الجنية تجري فيه زكاة المال؟
في الأخير؛ لم يجيب الرجل عن سؤال السائل؛ هل هناك بنوك إسلامية وبنوك غير إسلامية؟ ولكن من جوابه عن الفائدة ترى أنه أزال الفوارق بينهما؛ فلا داعي للتصريح بالجواب! وعلى كل حال؛ لا فرق بينهما عندي في مصر؛ فالقانون لا يفرق بينهما وكذلك عملهم على أرض الواقع سواء بسواء؛ ومما زاد الطين بلة أن الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية لا ترى تحريم الفوائد البنكية؛ مثل علي جمعة وأضرابه؛ فإلي الله المشتكى.
هذا ما يسر الله تقييده؛ وأنصح إخواني أن لا يأخذوا شيئاً من مسائل الفوائد والبنوك والمعاملات الحديثة عن أزهري يطل من شاشات التلفاز المصري؛ فقد ضلوا في هذه المسائل ضلالاً بعيداً؛ وقد حادوا عن العلم والعدل في تلك المسائل؛ والآن حاد بعضهم عن العقل الصريح كما بهذا المقطع؛ علم ذلك من علمه وجهله من جهله.
والله الهادي؛
هاني حلمي
وانظر للفائدة المقالات التالية في موضوع فوائد البنوك في مصر:
بيان افتراء دار الإفتاء المصرية الحالية بخصوص الفوائد البنكية…! (2)
بيان افتراء دار الإفتاء المصرية الحالية بخصوص الفوائد البنكية…! (2)
بيان أباطيل فتاوى دار الإفتاء المصرية الحالية في المعاملات المالية (المقدمة)
جزاكم الله خيرا
إعجابإعجاب