درة تيمية في كشف الحيل…!

كلما سمعت كلام المنتسبين للأزهر ودار الإفتاء المصرية في ما يخص تحليل فوائد البنوك بالحيل والفلسفة والأراء السقيمة والجهل… يغلي قلبي وأشعر بالضيق مما يقولون من باطل صريح.

وما ألبث إلا أن يُلقي الله في طريق المطالعة كلمات كالماء البارد تنزل على القلب فيسكن ويحمد الله على العافية مما ابتلى به هولاء.

ومن تلك الكلمات التي رزقني الله بها اليوم؛ كلمة لشيخ الإسلام بن تيمية؛ في ذيل كتاب “إقامة الدليل على بطلان التحليل” من الفتاوى الكبرى؛ قال رحمه الله:

“ومما يقضي منه العجب أن الذين ينتسبون إلى القياس واستنباط معاني الأحكام والفقه من أهل الحيل هم أبعد الناس عن رعاية مقصود الشارع وعن معرفة العلل والمعاني وعن الفقه في الدين ، فإنك تجدهم يقطعون عن الإلحاق بالأصل ما يعلم بالقطع أن معنى الأصل موجود فيه ، ويهدرون اعتبار تلك المعاني ، ثم يربطون الأحكام بمعاني لم يومئ إليها شرع ولم يستحسنها عقل { ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } وإنما سبب نسبة بعض الناس لهم إلى الفقه والقياس ما انفردوا به من الفقه وليس له أصل في كتاب ولا سنة ، وإنما هو رأي محض صدر عن فطنة وذكاء كفطنة أهل الدنيا في تحصيل أغراضهم فتسموا بأشرف صفاتهم وهو الفهم الذي هو مشترك في الأصل بين فهم طرق الخير وفهم طرق الشر إذ أحسن ما فيهم من هذا الوجه فهمهم لطرق تلك الأغراض والتوصل إليها بالرأي.

فأما أهل العلم بالله وبأمره فعلمهم متلقى عن النبوة إما نصا أو استنباطا فلا يحتاجون إلى أن يضيفوه إلى أنفسهم وإنما لهم فيه الاتباع؛ فمن فهم حكمة الشارع منهم كان هو الفقيه حقا؛ ومن اكتفى بالاتباع لم يضره أن لا يتكلف علم ما لا يلزمه إذا كان على بصيرة من أمره؛ مع أنه هو الفقه الحقيقي والرأي السديد والقياس المستقيم – والله سبحانه أعلم”

قلتُ (هاني): سبحان الله؛ وهذا صحيح أجده في كل شُبهات هؤلاء كما وصفه شيخ الإسلام رحمه الله.

“فإنك تجدهم يقطعون عن الإلحاق بالأصل ما يعلم بالقطع أن معنى الأصل موجود فيه ، ويهدرون اعتبار تلك المعاني ، ثم يربطون الأحكام بمعاني لم يومئ إليها شرع ولم يستحسنها عقل”

فتجدهم ينفون حكم الربا عن “مبادلة مال بجنسه من المال مع التأخير والزيادة” الذي هي أصل ربا البيوع؛ أو “اشتراط زيادة في الدين مع الأجل” الذي هو أصل ربا الديون؛ ويُعلم بالقطع أن أصل الربا في تلك الصور!

ثم يعللون تحليل الربا ويربطون الأحكام بمعاني لم يومئ إليها شرع ولم يستحسنها عقل! كالتضخم؛ وانخفاض قيمة العملة؛ أو العجز عن الكسب لعدم الخبرة أو فساد الناس؛ أو اختلاف العملات قوة وضعفاُ؛ أو قانون البنوك الجديد الذي هو حكم الحاكم الذي يرفع الخلاف الشرعي بزعمهم؛ أو التعليل بالتراضي! أو كاختراع أسماء تضاهي الشرعية ثم يربطون بها الأحكام؛ كقولهم للربا مرة هو “تمويل” ومرة هو “استثمار” ومرة هو “ائتمان”؛ ومرة هو :معاملة جديدة” لم يسمع بها أنس قبل ذلك ولا جان!

ثم يخرجهم شيخ الإسلام عن دائرة الفقه الحقيقي؛ ويجعل نسبتهم للفقه كدلالة اللفظ المشترك على بعض مفرداته! فهم فقهاء؛ يفقهون طرق الشر وزخرفة الأراء وقطع الأحكام عن أصولها بالرأي…

ثم يخبرك أن الفقه الحقيقي هو فهم حكمة الشارع والعلل التي علق بها الأحكام؛ وحتى من لم يرزق فهمها واتبع بالمعروف فهو خير من فقهاء الحيل والزور هؤلاء.

ثم يخبرك شيخ الإسلام عن أسباب تلك الظاهرة فذكر أنها دائرة بين: الجهل أو النفاق أو الشهوة أو حب الرياسة والشرف بالفتيا التي ينقاد له بها الناس أو الاستحسان بالرأي المحض… فيقول رحمه الله قبل الموضع السابق بأسطر قليلة:

“وأظن كثيرا من الحيل إنما استحلها من لم يفقه حكمة الشارع ولم يكن له بد من التزام ظاهر الحكم؛ فأقام رسم الدين دون حقيقته؛ ولو هدي رشده لسلم لله ورسوله وأطاع الله ظاهرا وباطنا في كل أمره؛ وعلم أن الشرائع تحتها حكم وإن لم يهتد هو لها؛ فلم يفعل سببا يعلم أنه مزيل لحكمة الشارع من حيث الجملة وإن لم يعلم حقيقة ما أزال؛ إلا أن يكون منافقا يعتقد أن رأيه أصلح في هذه القضية خصوصا أو فيها وفي غيرها عموما لما جاءت به الشريعة؛ أو صاحب شهوة قاهرة تدعوه إلى تحصيل غرضه ولا يمكنه الخروج عن ظاهر رسم الإسلام ، أو يكون ممن يحب الرياسة والشرف بالفتيا التي ينقاد له بها الناس؛ ويرى أن ذلك لا يحصل عند الذين اتبعوا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين إلا بهذه الحيل؛ أو يعتقد أن الشيء ليس محرما في هذه القضية المخصوصة لمعنى رآه لكنه لا يمكنه إظهار ذلك ؛ لأن الناس لا يوافقونه عليه ويخاف الشناعة فيحتال بحيلة يظهر بها ترك الحرام ومقصوده استحلاله فيرضي الناس ظاهرا أو يعمل بما يراه باطنا”

فلله دره من رجل؛ لذلك يبغضه كل مبتدع وكل مبطل؛ لأنه عراهم لنا وكشف عوارهم؛ فجزاه الله عنا خيراً.

والله الهادي؛

هاني

أضف تعليق