مَن أكون

Hany Helmyمسلمٌ، مصري، في العقد الرابع من العمر، أعيشُ و أعملُ في دُبي، بالإمارات العربية المتحدة.

حصّلتُ تعليمي في مصر، و حصلتُ على شهادة البكالُريوس في العلوم الإكتوارية عام 2001 من جامعة القاهرة، كلية التجارة باللغة الإنجليزية، و كان ترتيبي الثالثُ على دُفعتي.

في عام التخرج التحقتُ للعمل بالشركة المصرية لإعادة التأمين، ثم في 2005 بدأت رحلة غربتي عن مصر سعياً لسعة الرزق وكريم العيش، و حصلتُ على وظيفة رئيس قسم إعادة التأمين بشركة تكافلية صغيرة بالكويت لمدة لم تتجاوز الثلاث سنوات، ثم التحقتُ في عام 2008 بشركة الفجر لإعادة التأمين التكافلي، مديراً اكتوارياً، حتى تم تصفية الشركة و إعادة هيكلتها و نقلها من الكويت إلى دبي في 2014 باسم شركة الإمارات لإعادة التامين التكافلي، ولازلت على رأس عملي مديراً اكتوارياً للشركة، ومؤخراً زادت مهامي  الإدارية لتشمل إدارة المخاطر المؤسساتيه، وظابط مسئول عن التوافق ومكافحة غسيل الأموال لشركة الإمارات لإعادة التأمين التكافلي، بمركز دبي المالي العالمي.

فعملي الفني يتمثل في تقدير احتياطيات الخسائر المتوقعة من عمليات إعادة التأمين، والدراسات الاكتوارية الخاصة بملاءة راس المال، وقرارات التخطيط، وتشمل مهام إدارة الأخطار المؤسساتية الإشراف على خطة إدارة الأخطار الكلية للشركة، أما التوافق فهو في ما يخص اللوائح المنظمة والقوانين الحاكمة للعمل…

و عملي الشرعي يتمثل في الإدارة و الإشراف على التوافق مع الشريعة الإسلامية في شركتي، و ذلك من خلال هيئة الرقابة الشرعية للشركة… إذ أن عقد تأسيس الشركة و نموذج عملها ينصُ على الإلتزام بأحكام الشريعة الإسلامية.

هذا في ما يخص أمر العمل و المعاش، و الحمد لله الرزاق الكريم.

فيما يخص الثقافة الشرعية و طلب العلم، فهو حديثُ ذو شجون، يشوبه المرارة و الغفلة و التقصير و القليل من العلم و العمل.

لما التحقتُ طالباً بجامعة القاهرة في السنة الأولى في 1998 و تلطختُ بذنوب صحبة البشر من كل جنس، و وجدتُ نفسي مراهقاً جامح الشهوة يعرف كيف يظفر بمطلوبه… أظلم قلبي مع نهاية العام الدراسي، ثم وجدتُ فيه رقة للبكاء، و كنت حينها كثيرُ الفضول متشوفاً للمعرفة، و تأملت أمر الدين في من حولى فلم أجدُ إلا شراذم من جماعة الإخوان، بعضهم من الجيران، و الأكثر يمثلون “التيار الإسلامي” في الجامعة، كما كانوا يحبون أن يسموا أنفسهم! و كان في قلبي منهم شيءٌ يصدني عن التسليم لطريقتهم و منهجهم، مع أنني كنتُ خال من أي منهج أو علم! فسبحان الله اللطيف الخبير.

 ثم أسبغ الله علىّ من مزيد نعمه، و في أحد الأيام… رأيتُ جماعة من الجيران يمشون بعد صلاة الفجر، شعورهم طويلة عند الكتف, على رؤوسهم العمائم، قصيرة ثيابهم،… و لم يحجزني حاجز من أن أستوقفهم و أسألهم بالعامية المصرية: “انتو عاملين في نفسكو كده ليه، و انتو من أي جماعة!” ، فأجابني أفقههم: نحن طلبة علم، نتّبع الدليل و لا ننتمي لجماعة من الجماعات،…، فوقعت الكلماتُ موقعها في قلبي و كانت هذه الكلمات مفتاح سعادتي و معالم منهجي…

و لزمت هؤلاء الأخوه، و بخاصة الأخ الفقيه الذي أجابني، و الذي كان من طلبة العلم المتخصصين في علوم الحديث، فلزمته و قرأتُ عليه ما شاء الله، … فقرأت عليه في أصول العقيدة السلفية و التوحيد، و الأسماء و الصفات، و شروح الحديث، و علم مصطلح الحديث ،… و نتفٌ كتيرة من الحديث و الأثر.

و أهم ما أخذت منه هو معالم المنهج السلفي، بعدما استوى هو و اكتوى بنيران المناهج المخالفة لمنهج السلف في العلم و العمل، فقد كانت مصر في هذه الفترة تموج بالمناهج المتنازعة من إخوان مسلمين و جماعات التكفير و التبليغ و الدعوة و غيرهم… فكفاني الله عز وجل شر التجريب و التنقل…

و لا يزال هذا الأخ هو أخص إخواني و أعزهم عندي، أطال الله في بقائه، أصلح عمله، و جزاه الله عني خيراً.

و بفضل الله وحده لم انتسب يوماً لحزب و لا جماعة، و لم اعتقد شيئاً من الاعتقادات المبتدعة، لم أعادي أحداً أو أناصره إلا على الأدلة و دلالتها و مجموع ما كان عليه السلف في العلم و العمل، و وقر في قلبي حبُ الدليل، و حبُ فهم المدلول، و حبُ العلماء الربانيين المحققين من السلف و الخلف، فأطربُ بكلامهم و ذكرهم، و لستُ منهم، و أسال الله أن يحشرني في زمرتهم، فإن المرء مع من أحب.

ثم تزوجت و اغتربت، و تخبطتُ في الحياة بعد ذلك، و كنتُ مع العلم و العمل في مد و جزر، و لم تكن لدي خبرة بالدنيا و الناس و معاملة الخلق، فكنتُ كعود الزرع الأخضر تحركه الريح يميناً و يساراً، تارة أتمسك بما أحببتُ من العلم و الهدي، و تارة استسلم للعوائد و الرسوم و لا أجد من نفسي عزماً…

حتى كدتُ أتبلد و أرعى مع السائمة و لا أبالي بحق و لا باطل، فما استقر لي طريق حتي منّ الله علي و ابتلاني بما ظاهره العذاب و باطنه الرحمة، و صرف من حياتي الخبيث و أبدلنيه بالطيب ، و تولاني الله برحمته و لطفه، تفضلاً منه دون أدنى سبب مني، حتى اطمأن قلبي و استقامت وجهتي و عدّل الله بوصلتي تجاه العلم النافع، و أسأل الله أن يُتم عليّ نعمته بالهداية للعمل الصالح.

و لقد خططت لنفسي منهجاً يسيراً ، و هو أن خلاصة العلم: فهم مراد الله و رسوله من كتاب الله و سنة رسوله، مقيداً شطحات الفهم بمجموع عمل السلف و أصولهم الكلية، و ما وراء ذلك من العلم إلا فضلة مُلح لا يسمح لها الزمان مزاحمة الأصول.

فشرح الله صدري للتفسير و أصوله السلفية ، و لسُنة رسول الله و شروحها ، و من علم أصول الفقه: الصافي من كدر المتكلمين، و من مباحث اللغة: المعين على فهم الكتاب و السنة، و من الفقه ما تصح به العبادة ، و من فقه المعاملات: ما تحل به اللقمة ، و من الأدب ما يرقق الطبع و يشحذ الفكر ، و من كل فرع أصله و أعلاه المثمر.

و العلمُ الذي أدقق فيه للتخصص هو علم الاقتصاد الإسلامي و المعاملات المالية أو ما يُعرف بفقه البيوع، و لقد درستُ مؤخراً لنيل زمالة هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في ما يخص الرقابة و التدقيق الشرعي، و إن كنتُ لا أعد الشهادات شيئاً ما لم يصاحبها العلم النافع و العمل الصالح، و لله الحمد و المنّة.

شهادة الأيوفي.jpg

ولأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وأنه لا يمكن الخوض في المعاملات المالية، خاصة المعاملات المعاصرة، دون معرفة أصولها على طريقة أهلها، ومعرفة لغة أسواق المال المنقولة بحذافيرها عن الراسمالية الغربية، وتطبيقاتها في أسواق العالم، فلقد خطوت خطوات حثيثة في الدراسة، أخرها الانتساب – بالدراسة- والحصول على درجة رفيق للمعهد الملكي للأوراق المالية والاستثمار بالمملكة المتحدة، وقد أفدتُ من ذلك فهمَ التطبيقات الربوية في الاسواق المالية على ما هي عليه، ومعرفة وظائف وعمليات البنوك والمؤسسات المالية وطريقة عملها غير متأول لتصورات وتكييفات، وهي علامة فارقة في فقه المعاملات المعاصر، إذ أن فساد التصور هو مقدمة فساد النظر والحكم الشرعي، طريقتي في ذلك كما قال الشاعر أبو فراس الحمداني:

عَرَفْتُ الشّرَّ لا لِلشّرِّ لَكِنْ لِتَوَقّيهِ
وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشّرَّ منَ الناسِ يقعْ فيهِ

Membership Certificate

و أنني أرجوا أن يثبتني الله عز وجل ويتوفاني على تلك الطريق، لا يهمني كم أقطع منها، كل ما يعنيني هو الثبات عليها، فإن قواطع الطريق كثيرة جداً، تكاد تخطف السالك في لحظة غفلة، فتلقيه في مهامه الضلال، و قد قل المساعد و عُدم الناصر و غش الناصح و خان الأمين، و أصبح الخلق، إلا قليلاً، لا يعنيهم إلا أمر بطونهم و فروجهم، و من أصاب حظه منهما صار يطمح لرفع خسيسة جهله بالحط من الدين و أهله، فهم يتهارشون تهارش البهائم في حظائرها، و ما عرفوا الدنيا و ما فطنوا!

أرى كل يوم صرعى الشُبهات و الشهوات، بل أكاد أري مواضع مصارعهم، و أتعجب من إصرارهم على الباطل، و أقول لنفسي: لقد كنتُ أعمي فبصرني الله، و كنتُ ضالاً فهداني الله، فالحمد الله على العافية.

هاني حلمي