زلة العالِم…!

يخبرك عنها ابن القيم رحمه الله في كتابه النفيس إعلام الموقعين عن رب العالمين (بتصرف يسير مني):

“…العالِم قد يزل ولا بد؛ إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، ويُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم؛ فهذا الذي ذَمَّه كلُّ عالم على وجه الأرض، وحَرَّموه وذمُّوا أهله، وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلِّدون العالم فيما زَلَّ فيه وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ ولابد؛ فيحلون ما حرم اللَّه ويحرمون ما أحل اللَّه ويشرعون ما لم يشرع، ولا بد لهم من ذلك إذ كانت العصمة منفية عَمَّن قلدوه، فالخطأ واقع منه ولابد…

ومن المعلوم أنّ المُخوفَ في زلَّة العالم تقليده فيها؛ إذ لولا التقليد لم يخف من زلة العالم على غيره.

فإذا عَرَف أنها زَلَّة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباعٌ للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه، وكلاهما مُفرِّط فيما أمر به…

قال أبو عمر(ابن عبد البر): وتشبه زلة العالِم بانكسار السفينة؛ لأنها إذا غرقت غرق معها خلْق كثير.؛ وقال: إذا صح وثبت أن العالم يزل ويخطئ لم يجز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه.

ثم ساق ابن القيم أثراً بسند صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ يقول: “إنّ حَديثَكم شَرُّ الحديث، إن كلامكم شر الكلام؛ فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل: قال فلان، وقال فلان، ويُترك كتاب اللَّه، من كان منكم قائمًا فليقم بكتاب اللَّه، وإلّا فليجلس.”

ثم عقب ابن القيم على هذا الأثر فقال: فهذا قول عمر لأفضل قرْن على وجه الأرض، فكيف لو أدرك ما أصْبحنا فيه من ترك كتاب اللَّه وسنة رسوله وأقوال الصحابة لقول فلان وفلان وفلان!”

قلتُ (هاني): فكيف لو أدرك ابن القيم ما أصبحنا فيه!

وعلى ذكر العالِم؛ فإن الناس تخلط بين المناصب الدينية وبين العالِم على الحقيقة؛ فيظنون أن فلاناً وفلاناً طالما أنه حاز المنصب الفلاني فهو عالم! وهذا ليس على إطلاقه بصحيح مع فساد زماننا؛ فإنا في زمان قد ضيعت فيه الأمانة ووسد الامر لغير أهله؛ والواقع خير شاهد.

لذلك فإن عوام الناس يستعظمون تخطئة أصحاب المناصب الكبيرة في المؤسسات الدينية؛ لظنهم الفاسد أن المنصب والولاية تجعل من الرجل عالماً؛ أو أن كل ما يقوله هو صحيح عن علم! بل اتباع الهوى والقول بما يُرضي الناس؛ والتماس الحيل يدخل على المنتسبين للعلم من أصحاب المناصب أكثر من غيرهم! طائعين أو مكرهين! وإنما العلم خشية الله واتباع الكتاب والسُنة؛ والأمر بهما لا بالهوى والاستحسان.

قال شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه؛ في جامع المسائل – المجموعة الخامسة، نشرة عالم الفوائد، صفحة 149:

” فمجرّدُ الولاية على الناس لا يُمدحُ بها الإنسانُ ولا يستحقُّ على ذلك الثواب، وإنما يُمدحُ ويثابُ على ما يفعلُه من العدل والصدق، والأمرِ بالمعروف والنهْي عن المنكر، والجهاد وإقامة الحدودِ، كما يُذمُّ ويُعاقَبُ على ما يفعلُه من الظلم والكذب والأمرِ بالمنكر والنهْي عن المعروف وتعطيلِ الحدودِ، وتضييع الحقَوق، وتعطيلِ الجهاد.”

وإن وعيت هذا أخي المسلم؛ فإنه يزيل عنك همّ تفسير كثير من الشذوذ التي تسمعه وتراه من كثير من المنتسبين للعلم؛ سواء من دار الإفتاء المصرية الحالية؛ أو الفضائيات؛ أو في مواقع التواصل؛ ويجب على كل مسلم في هذا الزمان أن يتعلم الأصول الكلية لدين الإسلام؛ وأن يكون عنده من القواعد الكلية ما يعرف به الحق من الباطل في الكليات؛ ثم يسأل عن مأ أُشكل عليه في الجزئيات؛ ولا يكون إمعة يقبل كل ما يُلقى عليه.

والله الهادي؛

هاني

أضف تعليق