الرمال البيضاء…!

في مطلع يناير من عام 2022 سألني أحد الأخوة الكرام عن مجموعة أو موقع اسمه الرمال البيضاء؛ لم أستطع الوصول إليه؛ ولكن أخذت فكرة مطولة عنه من أكثر من مصدر؛ مع طريقة شرح الموقع وكيفية عمله؛ وكيفية جني الارباح؛ ومستويات الاشتراك كما بالصورة المرفقة…

ونموذج عمل الموقع باختصار هو أن المشترك يدفع اشتركاً سنوياً؛ وله عدد من المهمات؛ وهي إما عمل إعجاب أو متابعة لبعض الصفحات على مواقع التواصل؛ ولكل إعجاب ثمن ينزل في رصيد المشترك؛ والذي يمكنه بعد ذلك سحب رصيده…

قبل الكلام على نموذج عمل الموقع والحكم الشرعي له؛ ينبغي التنبه لهذه الأمور:

دفع المال في أي معاملة عن طريق الإنترنت يجب أن تكون لشخص أو جهة معلومة الهوية؛ وأن تكون خاضعة للرقابة والإشراف الحكومي؛ و أن تكون تلك الجهة مصرح لها بتقبل المال من الجمهور؛ وذلك ضماناً للحقوق والالتزامات؛ والتهاون في ذلك يدخل في باب من أبواب الجهالة والغرر وإضاعة المال المنهي عنهم بالنصوص الصريحة من الكتاب والسُنة.

أما الذي يظهر لي من نموذج عمل الموقع:أنه مبادلة مال حاضر بمال مؤجل أكثر منه؛ بينهما عمل تافه لا يتناسب مع الربح.

وذلك لأن الزيادة أو الربح المعلن في الموقع مضمون حصوله بشرط تأدية المهام التافهة؛ من وضع إعجاب أو متابعة صفحة؛ فلو أخرجنا العمل – الذي يظهر أنه غير مقصود لذاته ولا قيمة له – صار عندنا مبادلة نقود (الاشتراك) بنقود (الأرباح)؛ وهذه المبادلة هي مبادلة ربوية؛ إذ أن من شروط مبادلة النقود المتماثلة (جنيهات مصريه بجنيهات مصرية) التقابض والتماثل؛ فتشتمل هذه المعاوضة على نوعي الربا: ربا النسيئة (لتأخير سداد المبلغ) وربا الفضل (لسداده مع الزيادة).

ولو فرضنا تنزلاً أنه يوجد نوع من المشاركة فلا يجوز بحال ضمان الربح بمبلغ مقطوع في أي نوع من أنواع العقود والمشاركات؛ لأنه يؤول إلى الربا.

السؤال الذي قد يخطر ببالك هو لماذا يقوم القائمون على هذا الموقع بذلك؟ فهم يخسرون بدفع المال أكثر مما أخذوه؟

وجواب ذلك؛ أن الموقع قد يكون Ponzi scheme وهي من أشهر نماذج الاحتيال التي تحصل بشكل متكرر ويقع الناس في شراك فخها.

وطريقة عمل هذه النماذج أن انها تعد الناس بأن يحصلوا على أموال أكثر مما دفعوها؛ سواء بإيهامهم أن مالهم يستثمر أو أن الناس يعملون عملاً مربحاً (كما في الرمال البيضاء) ؛ ويقوم القائمون على النموذج في البداية بدفع الأرباح التي وعدوا بها من الاشتركات و الأموال التي حصولها؛ دون وجود عمل حقيقي على أرض الواقع أو بوجود عمل وهمي؛ حتى ينتشر أسم الشركة وتزيد الاشتركات والأموال معهم – لأن الذي يكسب من الشركة يغري غيره بالإشتراك خصوصاً إن كان سيأخذ عمولة على إدخال غيره – وبعد أن تكثر الأموال في يد الشركة تختفي تماماً بلا أثر.

ولو كانت هذه الشركة صادقة لما أخذت اشتركات في البداية؛ ولو كان العمل (الإعجاب والمتابعة) له معنى؛ لقدرت الشركة أجره؛ وأعطت المشترك أجرة على العمل؛ دون دفع اشتراك سنوي في البداية.

فأنصحك أخي الكريم أن تحفظ مالك ودينك ولا تشترك مع هذا الموقع المشبوه المجهول؛ ولا تكتسب المال بغير وجه حق؛ ولا تعرض مالك للضياع؛ فإن الله عز وجل سائلك عن مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته.

و إن كنت قد اشتركت بالفعل ودفعت مثلاً 300 جنيه؛ فلك أن تشارك حتى تسترد ال 300 جنيه فقط لاغير؛ ثم تترك الموقع.

هذا جواب سريع لأنك على عُجالة؛ والله أعلم.

و إن كان في تصوري لعمل الموقع شيء مخالف لما ذكرته فأخبرني على الفور؛ لعله يغيرحكمي على المعاملة؛ فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً؛ والحكم علي الشيء فرع عن تصوره؛ وقد اجتهدت في تصور كيفية عمل الموقع في ضوء البيانات المتاحة عنه على الشبكة؛ والاجتهاد في التصور ويتبعه تنزيل الحكم عليه قد يصيب وقد يخطئ.

يسر الله أمرك.

هاني حلمي


كان هذا جوابي للسائل… ثم بعدها بأسابيع قليلة خرجت الأخبار بأن موقع الرمال البيضاء قد اختفى وقد سُرقت أموال الناس والتي قدروها بالملايين؛ وهذا ما ألهمني الله به كما في الجواب؛ وما توفيقي إلا بالله؛ وما حسبته وقع كما ذكرته تماماً؛ والحمد لله يهدي الله بنوره من يشاء.

أضف تعليق