التضخم و تغير قيمة العملة و ما يلحقهما من أحكام…!

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛

أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي قراران بشأن التضخم وتغير قيمة العُملة وما يلحقهما من أحكام؛ كالتالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 42 (5/4)

بشأن تغيّر قيمة العملة

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأولى 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر)1988م،

بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تغير قيمة العملة ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله ،

وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم 21 (9/3 )في الدورة الثالثة ، بأن العملات الورقية نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة ، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها ،

قرر ما يلي :

العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما ، هي بالمثل وليس بالقيمة ، لأن الديون تُقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ، أيا كان مصدرها ، بمستوى الأسعار.

والله أعلم


ثم أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، في دورته الرابعة و العشرين بدبي؛ قراراً تابعاً للقرار السابق في صدر المقال؛ فألحقته هنا لتتميم الفائدة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 231 (24/2)

بشأن التضخم وتغيُّر قيمة العملة

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، في دورته الرابعة والعشرين بدبي، خلال الفترة من: 07-09ربيع الأول 1441هـ، الموافق: 04-06نوفمبر 2019م،

وبعد اطلاعه على البحوث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع التضخم وتغيُّر قيمة العملة، وبعد استماعه إلى المناقشات الموسعة التي دارت حوله،

قرر مايلي:

أولًا: يؤكد المجمع على قراره رقم: 42(5/4) الصادر في دورته الخامسة، والذي يرى المجمع أنه يطبق في حالة عدم  التضخم وفي حالة التضخم اليسير.

ثانيًا: أما التضخم الفاحش فإنه يرجع في تقديره إلى التراضي، وعند انعدام التراضي يرجع إما إلى القضاء أو التحكيم حسب الأحوال.

ثالثًا: عند حصول التضخم الفاحش بعد نشوء الدين لا مانع من اتفاق الدائن والمدين عند السداد على رد الدين بالقيمة أو توزيع الضرر بين الطرفين صلحًا، ويجوز إمضاؤه قضاء أو تحكيمًا، ولا يجوز الاتفاق على ذلك عند التعاقد.

رابعًا: يؤكد المجمع على توصيته للحكومات الإسلامية الواردة في قراره رقم: 115(12/9):

يوصي المجمع بما يلي :

1 ـ بما أن أهم أسباب التضخم هو الزيادة في كمية النقود التي تصدرها الجهات النقدية المختصة لأسباب متعددة معروفة ، ندعو تلك الجهات العمل الجاد على إزالة هذا السبب من أسباب التضخم الذي يضر المجتمع ضررا كبيرا ، وتجنب التمويل بالتضخم سواء أكان ذلك لعجز الميزانية أم لمشروعات التنمية ، وفي الوقت نفسه ننصح الشعوب الإسلامية بالالتزام الكامل بالقيم الإسلامية في الاستهلاك ، لتبتعد مجتمعاتنا الإسلامية عن أشكال التبذير والترف والإسراف التي هي من النماذج السلوكية المولدة للتضخم .

2 ـ زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدان الإسلامية وبخاصة في ميدان التجارة الخارجية ، والعمل على إحلال مصنوعات تلك البلاد محل مستورداتها من البلدان الصناعية ، والعمل على تقوية مركزها التفاوضي والتنافسي تجاه البلدان الصناعية .

3 ـ إجراء دراسات على مستوى البنوك الإسلامية لتحديد آثار التضخم على موجوداتها واقتراح الوسائل المناسبة لحمايتها وحماية المودعين والمستثمرين لديها من آثار التضخم ، وكذلك دراسة واستحداث المعايير المحاسبية لظاهرة التضخم على مستوى المؤسسات المالية الإسلامية .

4 ـ إجراء دراسة حول التوسع في استعمال أدوات التمويل والاستثمار الإسلامي على التضخم وما له من تأثيرات ممكنة على الحكم الشرعي .

5 ـ دراسة مدى جدوى العودة إلى شكل من أشكال ارتباط العملة بالذهب كأسلوب لتجنب التضخم .

6 ـ إدراكا لكون تنمية الإنتاج وزيادة الطاقة الإنتاجية المستعملة فعلا من أهم العوامل التي تؤدي إلى محاربة التضخم في الأجل المتوسط والطويل ، فإنه ينبغي العمل على زيادة الإنتاج وتحسينه في البلاد الإسلامية ، وذلك عن طريق وضع الخطط واتخاذ الإجراءات التي تشجع على الارتفاع بمستوى كل من الادخار والاستثمار ، حتى يمكن تحقيق تنمية مستمرة .

7 ـ دعوة حكومات الدول الإسلامية للعمل على توازن ميزانياتها العامة ( بما فيها جميع الميزانيات العادية والإنمائية والمستقلة التي تعتمد على الموارد المالية العامة في تمويلها ) وذلك بالالتزام بتقليل النفقات وترشيدها وفق الإطار الإسلامي ، وإذا احتاجت الميزانيات إلى التمويل فالحل المشروع هو الالتزام بأدوات التمويل الإسلامية القائمة على المشاركات والمبايعات والإجارات . ويجب الامتناع عن الاقتراض الربوي ، سواء من المصارف والمؤسسات المالية أم عن طريق إصدار سندات الدين .

 8 ـ مراعاة الضوابط الشرعية عند استخدام أدوات السياسة المالية ، سواء منها ما يتعلق بالتغيير في الإيرادات العامة، أم بالتغيير في الإنفاق العام ، وذلك بتأسيس تلك السياسات على مبادئ العدالة والمصلحة العامة للمجتمع ، ورعاية الفقراء وتحميل عبء الإيراد العام للأفراد حسب قدراتهم المالية المتمثلة في الدخل والثروة معا .

9 ـ ضرورة استخدام جميع الأدوات المقبولة شرعا للسياستين المالية والنقدية ووسائل الإقناع والسياسات الاقتصادية والإدارية الأخرى ، للعمل على تخليص المجتمعات الإسلامية من أضرار التضخم ، بحيث تهدف تلك السياسات لتخفيض معدل التضخم إلى أدنى حد ممكن .

10 ـ وضع الضمانات اللازمة لاستقلال قرار المصرف المركزي في إدارة الشؤون النقدية ، والتزامه بتحقيق هدف الاستقرار النقدي ومحاربة التضخم ، ومراعاة التنسيق المستمر بين المصرف المركزي والسلطات الاقتصادية والمالية ، من أجل أهداف التنمية الاقتصادية والاستقرار الاقتصادي والنقدي والقضاء على البطالة .

11 ـ دراسة وتمحيص المشروعات والمؤسسات العامة إذا لم تتحقق الجدوى الاقتصادية المستهدفة منها ، والنظر في إمكانية تحويلها غلى القطاع الخاص وإخضاعها لعوامل السوق وفق المنهج الإسلامي ، لما لذلك من أثر في تحسين الكفاءة الإنتاجية وتقليل الأعباء المالية عن الميزانية ، مما يسهم في تخفيف التضخم .

   12 ـ دعوة المسلمين أفرادا وحكومات إلى التزام نظام الشرع الإسلامي ومبادئه الاقتصادية والتربوية والأخلاقية والاجتماعية .

   توصية :

   ـ وأما الحلول المقترحة للتضخم فقد رأى المجمع تأجيلها وعرضها لدورة قادمة .

والله سبحانه وتعالى أعلم


قلتُ تعليقاً على هذا القرارت :

هذا قول كثير من الفقهاء، و له أدلته، و يستثنى من هذا القول ما كان التغير في قيمة العملة فاحشاً.

و اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ستة أقوال، جمعها و ناقشها الشيخ خالد المُصلح في كتابه: “التضخم النقدي في الفقه الإسلامي” ، ثم عقب هذه الأقوال الست بترجيحه:

“بعد هذا العرض لأقوال أهل العلم في هذه المسألة، فالذي يترجح للباحث: أنه إذا كان التضخم النقدي غير متوقع، يلحق الدائن به ضرر زائد على الحد المعتاد الذي يتغابن الناس بمثله، فإنه يجب على المدين رد قيمة ما ثبت في ذمته للدائن، في كل الديون التي لا يتمكن من أخذها، تداركاً لانخفاض القيمة التبادلية. أما ما يمكنه تداركه بأخذه قبل تدهور قيمته والمدين باذل كالنقود المصرفية فإن الواجب رد المثل.”

 و قد سألني صديق عن مشكلة لقريب له؛ فقد كان عاقدا زواجَه على امرأة منذ 3 سنوات تقريبا، وكان الطرفان قد اتفقا على أن يكون المؤخر عشرة جرامات ذهب، وكان سعر الذهب حينئذ أقل بكثير مما هو عليه الآن. ولو التزم بدفع العشرة الجرامات اليوم فإن الفارق سيكون فاحشا… وهنا كانت المشكلة.. فهل يلتزم بعدد الجرامات المتفَق عليه، أو يدفع قيمة الجرامات العشرة وَفق الأسعار التي تم فيها الاتفاق قديما؟

فكتبتُ له:

إن كان الدين الثابت في الذمة ذهباً، فالأصل أن يرده ذهباً، بنفس وزن الجرامات المتفق عليها و لا اعتبار لتغير سعر الذهب.

فأن الذهب و الفضة هي الأثمان على الحقيقة و هي ذخيرة القيمة، و معلومٌ أن قيمتها تتغير مع الزمن.

و صداق النساء له خصوصية مغلظة في وجوب الأتيان به نِحلةً، أي فريضة واجبة، كما قال الله تعالى في صدر سورة النساء: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} ، و قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المُخرج في الصحيحين (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ).

و لو كان التغير في القيمة فاحشاً (و مردُ ذلك إلى العُرف) ، فللزوج أن يطلب من زوجته تخفيض قيمة الصداق عند الأداء، فأن وافقت بطيب نفس دون اعتساف و لا جبر، فليأكل ما تركت له هنيئاً مريئاً.

و الله أعلم،

هاني حلمي


وسئل سائلٌ كريم:

أخت أعطت أخيها ٢٠,٠٠٠ ألف جنيه منذ عشرين سنة؛ في هذا الوقت كانت هذه قيمة عمارة سكنية في منطقتهم؛ الآن هو مات وحصل خلاف ونزاع بينها وبين الورثة؛ فطالبتهم قالوا ليس لك غير العشرين؟

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛

الأصل في الديون والقروض أنها تُقضى بأمثالها؛ يعني الدين بالجنية يُقضي بنفس المبلغ بالجنية؛ وذلك حتى لا يقع ربا الديون عند القضاء.

إلا أنه إذا تغيرت قيمة العملة تغيراً فاحشاً؛ أوانقطعت العملة؛ أو تضخمت الأسعار بصورة فاحشة؛ فإن الدين يقُضى بالقيمة؛ لا بالمثل؛ فيُنظر ما يساوي الدين القديم بنقود اليوم؛ وتُقدر قيمته.

فينبغي على الورثة – أقله من باب الصلح على الدين – جبر ضرر الأخت في مالها؛ وتقدير زيادة على أصل الدين؛ وهذا من حُسن القضاء؛ وليس من الربا؛ إذ أن الزيادة ليست مشروطة عند ابتداء الدين.

في صحيح البخاري ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنَ الْإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ : ” أَعْطُوهُ “. فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ : ” أَعْطُوهُ “. فَقَالَ : أَوْفَيْتَنِي، أَوْفَى اللَّهُ بِكَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً “.

وينبغي على الورثة السعي في الصلح وقضاء الدين على الذي هو أحسن؛ وقد روى الترمذي بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ، حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ “.

قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار:”فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت ، والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه.”

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم”نفس المؤمن معلقة…” قال السيوطي رحمه الله: “أي محبوسة عن مقامها الكريم”؛ وقال العراقي رحمه الله: “أي أمرها موقوف لا حكم لها بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا.”

فإن أبى الورثة إلا سداد أصل الدين؛ فعليكم الاحتكام لرجل من أهل العلم يقضي بينكم.

يسر الله أمركم؛

هاني حلمي

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s