” … فاللذة التَّامَّة والفرح وَالسُّرُور وَطيب الْعَيْش وَالنَّعِيم إِنَّمَا هُوَ فِي معرفَة الله وتوحيده والأنس بِهِ والشوق إِلَى لِقَائِه واجتماع الْقلب والهم عَلَيْهِ، فَإِن أنكد الْعَيْش عَيْش من قلبه مشتت وهمه مفرق فَلَيْسَ لِقَلْبِهِ مُسْتَقر يسْتَقرّ عِنْده وَلَا حبيب يأوي إِلَيْهِ ويسكن إِلَيْهِ كَمَا أفْصح الْقَائِل عَن ذَلِك بقوله:
وَمَا ذاق طعم الْعَيْش من لم يكن لَهُ … حبيب إِلَيْهِ يطمئن ويسكن
فالعيش الطّيب والحياة النافعة وقرة الْعين فِي السّكُون والطمأنينة إِلَى الحبيب الأول، وَلَو تنقل الْقلب فِي المحبوبات كلهَا لم يسكن وَلم يطمئن إِلَى شَيْء مِنْهَا وَلم تقر بِهِ عينه حَتَّى يطمئن إِلَى إلهه وربه ووليه الَّذِي لَيْسَ لَهُ من دونه ولي وَلَا شَفِيع وَلَا غنى لَهُ عَنهُ طرفَة عين كَمَا قَالَ الْقَائِل:
نقل فُؤَادك حَيْثُ شِئْت من الْهوى … مَا الْحبّ إِلَّا للحبيب الأول
كم منزل فِي الأَرْض يألفه الْفَتى … وحنينه أبدا لأوّل منزل
فاحرص أَن يكون همك وَاحِدًا وَأَن يكون هُوَ الله وَحده فَهَذَا غَايَة سَعَادَة العَبْد وَصَاحب هَذِه الْحَال فِي جنَّة مُعجلَة قبل جنَّة الْآخِرَة وَفِي نعيم عَاجل،
كَمَا قَالَ بعض الواجدين إِنَّه ليمر بِالْقَلْبِ أَوْقَات أَقُول إِن كَانَ أهل الْجنَّة فِي مثل هَذَا إِنَّهُم لفي عَيْش طيب،
وَقَالَ آخر إِنَّه ليمر بِالْقَلْبِ أَوْقَات يرقص فِيهَا طَربا،
وَقَالَ آخر مَسَاكِين أهل الدُّنْيَا خَرجُوا مِنْهَا وَمَا ذاقوا أطيب مَا فِيهَا قيل لَهُ وَمَا أطيب مَا فِيهَا: قَالَ معرفَة الله ومحبته والأنس بِقُرْبِهِ والشوق إِلَى لِقَائِه.
وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا نعيم يشبه نعيم أهل الْجنَّة إِلَّا هَذَا…”
من رسالة ابن القيم رحمه الله تعالى إلى أحد إخوانه، و هي رسالةٌ قيمةٌ جداً.