المجادلة… و الاحتجاج بما ليس حجة!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، في كتاب “اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم”، ص 382: 384، نشرة ناصر بن عبد الكريم العقل:

“… وما أكثر ما قد يحتجُ بعض من يتميز من المنتسبين إلى علم أو عبادة، بحجج ليست من أصول العلم التي يعتمد في الدين عليها….

… فكيف يعتمد المؤمن العالمُ على عادات أكثر من اعتادها عامة، أو من قيدته العامة، أو قوم مترئسون بالجهالة، لم يرسخوا في العلم، لا يعدون من أولي الأمر، ولا يصلحون للشورى؟ ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله، أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية، أو لشبهة أحسن أحوالهم فيها أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين من الأئمة والصديقين.

والاحتجاج بمثل هذه الحجج، والجواب عنها معلوم: أنه ليس طريقة أهل العلم، لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق كثير من الناس، حتى من المنتسبين إلى العلم والدين، وقد يبدي ذو العلم و الدين له فيها مستندا آخر من الأدلة الشرعية، والله يعلم أن قوله بها وعمله لها ليس مستندا إلى ما أبداه من الحجة الشرعية، وإن كانت شبهة، وإنما هو مستند إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ورسوله، من أنواع المستندات التي يستند إليها غير أولي العلم والإيمان، وإنما يذكر الحجة الشرعية حجة على غيره، ودفعا لمن يناظره.

والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال، وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل، فنوع من النفاق في العلم والجدل، والكلام والعمل.”

قلتُ (هاني):

يخلط الناس خلطاً عجيباً بين بين “المناظرة” المحمودة و “الجدل” المذموم، و يضعون الألفاظ في غير موضعها ، و يُحمّلون كل منهما ما لا تحتمل الأخرى، و من الحدود الفاصلة بينهما:

المناظرة المحمودة: و هي جدال محمود ، يتفق فيه الطرفان على الأصول التي يُرد إليها عند التنازع.

و المناظرة تكون لرغبة الطرفان في ظهور الحق ، على لسان أي منهما ، فظهور الحق هو الغاية.

الجدل المذموم و يسمى المماراة: فهو خبط و تخليط بغرض مغالبة الخصم ، و الظهور عليه بحق أو باطل.

و قديماً كان الجدل سائغاً بين أهل العقائد الكلامية و الفلسفية، و طريقته أن يُلقي كل منهما حجته فيفندها الآخر و يقلبها عليه أو يردها وهكذا… حتى ينقطع أحدهما ، فيسمي منقطعاً، أو يظهر أحدُ الخصمين على الآخر…

أما المناظرة فهي علم و حلم و أدب عالٍ بين عالمين منصفين ، أتحدت أصولهما و اتفقا على الرد إلى الله و رسوله عند التنازع، كل منهما يريد الحق بلا تعصب ولا هوى … و أنَّى لنا ذلك في هذا الزمان أمام الشاشات و الجماهير.

فما ناظرتُ يوماً احداً و لا رأيتُ مناظرة!

هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s