العلم الشرعي هو العلم بأصول العلم، و بناء النتائج على المقدمات، و معرفة القواعد و الضوابط الحاكمة للفقه، و معرفة ما أجمع عليه أهل العلم و ما اختلفوا فيه ، و معرفة الخلاف السائغ المقبول وغير السائغ المردود و ذلك على نور من مراتب الأدلة الشرعية و ترتيب دلالاتها، و معرفة الفرق بين الحكم الشرعي و بين الفتوى المخصوصة، و التمييز بين المصالح و المفاسد… و يُرشدك العلم بنور من الله متى تُقدم و متي تُحجم.
و بالجملة هو معرفة مراد الله عز وجل من خلقه و أمره و العمل بذلك و الدعوة إليه و سؤال الله الثبات عليه حتى الممات ، كل ذلك مع مصاحبة خشية الله و العلم بخطر القول في دين الله بغير علم.
أما المعلومات الشرعية، فهي قريبة من أناملك يمكنك بمعونة جوجل الوصول لملايين المعلومات و الكتب، و لكن أنى لك النظر و الترجيح و ووضع كل منها موضعها إلا على بصيرة من أصول العلم!
و لقد وسوس الشيطان لكثير من الناس أن الفجوة العلمية الـتأصيلية بينهم و بين أهل العلم قد رُدمت بالسيل المعلوماتي الجارف من مواقع التواصل و الأخ جوجل! و هيهات هيهات لما يدعون، بل إن الفجوة قد اتسعت جداً، و اتسع الخرق على الراقع، فبعد أن كان بعض الناس جاهلاً متواضعاً صار متعالماً منتفخاً بورم من المعلومات الخالية عن التأصيل، المنتزعة من سياقها، و المقطوعة عن أصولها.
و لتوضيح المقال أضرب لكم هذا المثال:
هب أن عندك بعض الأحجار و الأسمنت و الخشب و مواد البناء مجموعة في مكان واحد ، هل يسعك أن تقول عندي قصرٌ منيفٌ به غرف و طوابق و أنا أسكن فيه و أنتفع بمنافعه! لو قلت ذلك لعدك الناس في عداد الحمقى، ما لم تبذل جهدك و ترفع الأساس و تبني البناء على مر الأيام و الليالي… فهذا مثلُ أهل العلم و أصحاب المعلومات!
و كيف يطيبُ للإنسان عيشٌ وهو يتخبط في ظلمات الظلم و الجهل! لذلك لم أعد أتعجب من الهم و الحزن البادي على وجوه كثير من طلبة العلم الشرعي، ذلك بأنهم عرفوا حقيقة جهلم، و كلما تعلموا ظهر لهم جلياً بشاعة ما كانوا فيه من الجهل … فحقٌ على العالم و طالب العلم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله.
أما المتعالم، الذي لا يدري أنه لا يدري ، فتراه مبتهجاً مزهواً بحاله، غاية علمه النقل و الجدل، خدره الوهم فبات لا يشعر بألم الجهل، كما قال أبو الطيب:
وَالهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسيمَ نَحَافَةً وَيُشيبُ نَاصِيَةَ الصّبيّ وَيُهرِمُ
ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ
الخلاصة:
من كان يطلب العلم الشرعي فهو بخير المنازل.
و من كان لا يطلب العلم فعليه أن يتعلم الحد الأدني من أصول معرفة الحق، و طرق الوصول إليه، و قد دل كتاب الله الذي يقرأه كل مسلم على تلك الأصول، فأمرك أن لا تقفوا ما ليس لك به علم، و أن لا تتبع الهوى، و أن تتبين من أنباء الفساق، و أن تسأل أهل الذكر، و أن تتعقل و تتدبر و تتفكر في أمور الدنيا و أمور الأخره…
و الله المستعان،
هاني حلمي