مداخل إعجاز القرآن…!

فرغتُ من قراءة كتاب ” مداخل إعجاز القرآن ” لشيخ العربية محمود محمد شاكر.

و الكتاب على صغر حجمة علامة مضيئة في مسالك هذا العلم و ربط هام بين أطرافه المتباعدة ، و هو بحق آية في البحث العلمي و التحقيق المنصف و الغوص على لب الحقائق و فهم مقالات الناس فهماً دقيقاً… و الشيخ يأخذك في رحلة تاريخية من التحقيق الرصين و ربط النتائج بالمقدمات حتى يلوح لك الحق كفلق الصبح ، و تراه يقضي بين الأقوال و أصحابها بعلم و بينة و شهود ، كما قال المتنبي:

قاضٍ إذا التبس الأمران عنَّ له … رأيٌ يخلص بين الماء واللبنِ

تأملوا طريقة الشيخ رحمه الله في التوقف مع الألفاظ و عدم التسليم لمدلولاتها و معانيها ، و تتبع أصلها و دورانها على الألسنة ، و الزيادة و النقصان في مدلولاتها من عصر إلى عصر ، و أثر ذلك في حل إشكال ماهية الإعجاز.

و تأملوا كيف يربط الشيخ بين عقيدة المتكلم و محيطه الثقافي و ملكاته الخاصة و علاقته بأقرانه و بين مذهبه الذي اختاره … و كأنه يدخل من تحت الألفاظ إلى ضمير المتكلم و مكنون نفسه ، و لا تراه يصف إلا حقاً غير متكلف و لا جائر ، و هذه فطنة يرزقها الله من يشاء من عبادة.

و تأملوا كيفية تناول تاريخ المسألة و تطور الإشكال من أول قول المعتزلة بالصرفة ثم تنبُه الجاحظ ( معتزلي) لبطلان هذا القول و كيف نزعه حبه للبيان للتوفيق بين الصرفة و النظم ، ثم قول الرماني ( معتزلي) ، ثم تفصيل الخطابي ( سلفي) ، ثم القاضي عبد الجبار ( معتزلي) ، ثم الباقلاني (أشعري) ، إلى أن انتهى الأمر الي عبد القاهر الجرجاني (أشعري).

و لقد كنت دائم الاستشكال لعلاقة المتكلمين بالبلاغة عامة و بالاعجاز خاصة ، و هذا الكتاب قد اذهب عني شيء من الإشكال ، و لا زالت عندي حلقات مفقودة …

فأهل السنة أولى بالحق في كل ميدان ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب الاستقامة 1/205:

“أَن اهل السّنة فِي كل مقَام أصح نقلا وعقلا من غَيرهم لَان ذَلِك من تَمام ظُهُور مَا ارسل الله بِهِ رَسُوله من الْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله ظُهُوره بِالْحجَّةِ وظهوره بِالْقُدْرَةِ”

و لقد أطلت التأمل في منهج الشيخ محمود شاكر في التحقيق و طريقة بحثه المسألة ، فإن ذلك قد يكون أنفع للناظر من ثمرة المسألة نفسها!

و يحضرني قول الشيخ المحقق بشار عواد معروف في محاضرة له: أنه تعلم التحقيق و تعلقت نفسه به بعد مطالعته لكتاب الرسالة للشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى.

و قال أيضاً في أثناء حديثه أن الشيخ محمود قد فاق أخيه أحمد في التحقيق! رحمة الله عليهما، و جمعهما في مستقر رحمته.

و قال الدكتور محمود محمد الطناحي رحمه الله في مقالاته، و قد كان ملازماً للشيخ محمود شاكر: “إن الذي دُفِن في صدر محمود شاكر معه في قبره من العلم أضعاف ما أخرجه للناس.  ص549.

وهذا رابط الكتاب من المكتبة الوقفية:

http://waqfeya.com/book.php?bid=4345

نفع الله به قارئه و ناشره ، و صل اللهم على محمد و على آله وصحبه و سلم.

هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s