نظرة في علة عدم جواز إعطاء الجزار أجرة الذبح من لحم الأضحية…!

من المتقرر عند الجمهور أنه لا يجوز إعطاء القصاب (الجزار) من الأضحية ثمنًا لذبحه.

و دليل ذلك ما رواه مسلم عن علي رضي الله عنه:

قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ , وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا , وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ ثُمَّ قَالَ: ” نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا “.

و من تأمل هذا الحكم في ضوء فقه المعاملات والبيوع يرى فيه مدى إحكام الشريعة الإسلامية و تكامل قواعدها كأنها صورة واحدة ، و يزداد يقيناً أنها من عند الله الحكيم الخبير.

و الكلام في علل الأحكام الغير منصوص عليها يعدُ أمراً اجتهادياً ، ينُظر فيه في ضوء فقه مقاصد الشريعة و جمع النظائر بعضها إلى بعض.

و الذي أراه في علة هذا الحكم ما يلي:

قد يشعر الجزار بالغبن في المعاملة ، إذ أن العوض الذي أخذه (اللحم) قد كان يمكن أن يحصل عليه (هبة) دون مقابل، أو أن يختلط عليه الهبة بالأجرة ، و هذا ممنوع في العقود.

كذلك اللبس الذي يحدث عند المزكي صاحب الأضحية ، فإنه يدخل عقدان متضادان في بعضهما البعض، فهبة اللحم يراد بها وجه الله، و استخدام اللحم عوضاً (أجرة) عن الذبح، هو من قبيل البيع المبني على المشاحة في الثمن و السوم ، فيختلط رجاء ثواب الله بعقد بيع ، و هذا لا ينبغي.

أن المزكي صاحب الأضحية قد ذبحها ابتداء لله، يرجوا ثواب الله بكل شعرة منها و قطرة دم، و لحمها يجب أن يذهب: إما صدقة على أهله أو طعاماً للفقير أو طعاماً للصاحب و الصديق من باب البر و الإحسان إلى الناس … فجعل هذا اللحم عوضاً كأجره عن منفعة الذبح فيه شيء من قلة تعظيم شعائر الله ، و فيه بخساً لثواب صاحب الأضحية بما قد كان أن يناله من الأجر لو أطعم هذا اللحم أو وهبه.

و الله أعلى و أعلم ، و تقبل الله منا و منكم.

هاني حلمي.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s