قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صيد الخاطر:
” أكثر شهوات الحس النساء….
وقد يرى الإنسان امرأة في ثيابها، فيتخايل له أنها أحسن من زوجته، أو يتصور بفكره المستحسنات، وفكره لا ينظر إلا إلى الحسن من المرأة، فيسعى في التزوج والتسري، فإذا حصل له مراده، لم يزل ينظر في العيوب الحاصلة، التي ما كان يتفكر فيها، فيمل، ويطلب شيئًا آخر، ولا يدري أن حصول أغراضه في الظاهر ربما اشتمل على محن، منها أن تكون الثانية لا دين لها، أو لا عقل، أو لا محبة لها، أو لا تدبير، فيفوت أكثر مما حصل!
وهذا المعنى هو الذي أوقع الزناة في الفواحش؛ لأنهم يجالسون المرأة حال استتار عيوبها عنهم، وظهور محاسنها، فتلذ لهم تلك الساعة، ثم ينتقلون إلى أخرى!
فليعلم العاقل أن لا سبيل إلى حصول مراد تام، كما يريد، {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: ٢٦٧] ، وما عيب نساء الدنيا بأحسن من قوله عز وجل: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: ٢٥]
وذو الأنفة يأنف من الوسخ صورة، وعيب الخلق معنى، فليقنع بما باطنه الدين، وظاهره الستر والقناعة، فإنه يعيش مرفه السر، طيب القلب، ومتى استكثر؛ فإنما يستكثر من شغل قلبه، ورقة دينه.”
و قد وقع لي نصٌ رائق أخر في هذه المسألة بعينها من “الأدب الكبير” لأبن المقفع الهالك في سنة 124 هجرياً، و الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها* ، يقول :
” إنما النساء أشباه ، و ما يتزين في العيون والقلوب من فضل مجهولاتهن على معروفاتهن باطل وخدعة. بل كثير مما يرغب عنه الراغب مما عنده أفضل مما تتوق إليه نفسه منهن.
وإنما المرتغبُ عما في رحله منهن إلى ما في رحال الناس كالمرتغبِ عن طعام بيته إلى ما في بيوت الناس ، بل النساء بالنساء أشبه من الطعام بالطعام، وما في رحال الناس من الأطعمة أشد تفاضلا وتفاوتا مما في رحالهم من النساء.
ومن العجب أن الرجل الذي لا بأس في لُبه و رأيه يرى المرأة من بعيد متلففة في ثيابها، فيصور لها في قلبه الحسن والجمال حتى تعلق بها نفسه من غير رؤية و لا خبر مخبر، ثم لعله يهجم منها على أقبح القبح وأدم الدمامة، فلا يعظه ذلك ولا يقطعه عن أمثالها. ولا يزال مشغوفاً بما لم يذق، حتى لو لم يبق في الأرض غير امرأة واحدة، لظن أن لها شأنا غير شأن ما ذاق! وهذا هو الحمق والشقاء والسفه.”
انتهي كلامه.
*فائدة: حديث ” الحكمة ضالة المؤمن” ضعيف جداً ، اما عن معناه ، فتقول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : ” وأما معنى الحديث فتشهد له عمومات النصوص، وهو أن الكلمة المفيدة التي لا تنافي نصوص الشريعة ربما تفوه بها من ليس لها بأهل، ثم وقعت إلى أهلها، فلا ينبغي للمؤمن أن ينصرف عنها، بل الأولى الاستفادة منها والعمل بها من غير التفات إلى قائلها.” الفتوى رقم ( 21010 ) من المجموعة الاولى.
و ابن المقفع فارسي الاصل كان مجوسياً و أسلم و قد قتله المنصور على الزندقة ، و لم اراجع مصادر ترجمته حتى أري فيه رأياً ،و انما يؤخذ الصالح من القول و ينبذ غيره ، و ثمرة العقل حسن الاختيار.
هاني حلمي.