وُلد الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد سنة 1318 للهجرة الموافق 23 سبتمبر عام 1900 للميلاد، و لقي الله في 25 ذو القعدة 1392هـ الموافق 30 ديسمبر عام 1972… و ما أنا بصدد ترجمة الشيخ ، إنما إلقاء الضوء على شيءِ من حُبه للتراث و اللغة و نشر علوم المسلمين على أفضل ما يكون من غير كلل و لا ملل …

قال عنه العلّامة محمود الطناحي رحمه الله في مقالاته المجموعة، ص664.

” الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد يُعَدُّ صفحة حافلة من تاريخ التراث العربي، قَدَّم وحده للمكتبة العربية ما لم تقدِّمه هيئة علمية مدعومة بالمال والرجال. وقد رُمي الرجل بأنه أعاد طبعات سابقة عليه مما أخرجته مطبعة بولاق ومطابع أوروبا، وأنه لم يَعبأ بجَمْع مخطوطات الكتاب الذي ينشره، وأنه لم يضع الفهارس الفنية الجامعة لمسائل الكتاب المنشور.

لكن هذا لا ينقص من قدر الرجل وجهده الذي بذله في تصحيح وضبط النص ضبطًا صحيحًا، وإضاءته بالشروح اللغوية التي تنفي عنه الجهالة أو الغموض، مع العناية بعلامات الترقيم، وأوائل الفقرات، وعدم تداخل أجزاء الكلام. ويكفيه فضلًا أن كل من تَعَلَّمَ النحو في شرق الدنيا وغربها بعده مَدين له بدَين كبير؛ لما بذله من جهد بالغ في إخراج كتب النحو في أسلوب يمتع الدارس ويصقل اللسان.”

و كأن الشيخ قد أدرك نابتة تغض من قدر تحقيق المخطوطات و إخراج التراث كما ينبغي، فبينَ الشيخُ أن جهد المحقق أعظم من جهد المؤلف، فيقول في هذا الشأن:

و يحدثك الشيخُ عن سبب اختياره ميدان تحقيق التراث، ليقف شاكى السلاح يذود عن ثغر من ثغور الإسلام، لا يعبأ بما قد يناله من تعب و نصب، عالي الهمة مرتفع الهامة، فيقول عن نفسه رحمه الله تعالى:

و يُرجعُ الشيخ أسباب قلة إحساس المسلمين بثروة تراثهم العظيم إلى سببين :الافتتان بالغرب و ضعف التحقيق، فيقول رحمه الله:

و يُذكّرُ الشيخُ حملة أمانة التراث بما في أعناقهم من ثقل تلكم الأمانة، و يضعهم في قلب قضية هويتنا التي أجلبت عليها أممُ الكفر بخيلها و رَجلَها، فيقررُ “أن الأمم لا تنهض إلا بأن تصل حديثها النافع بقديمها الصالح”… فيقول ناصحاً و محذراً:

و الشيخُ كان يعلم ان طريقته وعرة المسلك، لا يستطيعها إلا الفحول من المنتسبين للعلم و الدين، و أن الدنيا سوف تتنكر لمن كان هذا سبيله، و سيناله التعب و النصب، و لن يعرفُ له فضلاً في الحياة سوى النذر القليل من الناس،…، و أن كل ذلك يهون على المخلصين في سبيل الله، و أن الله سيجازيهم و يرفع  من ذكرهم،…، فانظروا ما يقوله الشيخ عن ابن القيم رحمه الله، و كأنه يُضمرُ الكلامَ عن نفسه يعزيها … :

رحم الله شيخ المحققين رحمة واسعة، و أثابه خير الجزاء عن ما قدمه للإسلام و المسلمين، و في ذكراه العطرة بعثٌ للهمة الخاملة، و جمعاً للعزم المُشتت، بل تكفي المشابهة…

و في زماننا العجيب بأهله، قد نبتت نابته تتنقص من تراثنا العظيم المعرق في القدم الراسخ في الأصالة، و ما ذلك إلا لأنهم دخلوا البيوت من ظهورها و يتلمسون طريقهم في الظلام لا يدري الواحد منهم أهو في كنيف البيت أم في مقصورته!

كيف ينتقد تراث المسلمين لصوص متطفلون على بيت العلم و أهله، ليسوا أهلاً أن يدعوا من الباب، إذ البابُ هو الانكسار على أعتاب العبودية و دعاء رب البرية بأن يمن عليهم بشيء من الفهم و بصيص من نور العلم يلتمسون به طريقهم، فإن كانوا من أهل السعادة أدخلهم الله الباب و ذاقوا احلى ما في الدنيا و زيادة!