وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ…!

أغلب الناس قد أظهروا شفقة لحال الأطفال الذين قتلوا من البرد في المخيمات السورية أكثر من غيرهم من القتلى، و ذلك يرجع في تقديري أن شعور كل الناس بقسوة البرد و معاناة بعض أعراضه في بيوتهم هو السبب الذي حرك مشاعرهم، فقياس البرد الغائب القاتل على البرد الحاضر المحتمل هو الذي الذي حرك مشاعرهم فتأثروا بشدة، و كانوا بين مستنكر بالقول و متبرع بالمال.

و الحاصل أن أغلب الناس لم يعاين ويلات الحروب و قسوتها كما عاين شيء من البرد، لذلك يعظم في عيونهم قتيل البرد على قتيل الحرب!

و البرد أمر خارج عن إرادة الناس و لكن الحرب يتسبب فيها الناس، هذا بكلمة و هذا بخطوة في مظاهرة و هذا بدعوة لثورة و هذا بحمل سلاح و ذلك بتكفير الناس و تحزيبهم … حتى تُدق للحرب الطبول و تستعر نيرانها فتأتي على الأخضر و اليابس… كما يقول أحد شعراء حماسة أبي تمام:

من شعراء حماسة أبي تمام

فيجب على المسلم الحريص على دماء المسلمين أن يشعر بنوابت الفتن كما يشعر بالبرد، فيكون إحساسه و تأثره بالأمور المعنوية قريب من إحساسه و تأثره بالأمور المادية، و كما يتقي برد الشتاء و يحمي نفسه و أهله فعليه أن يتقي الفتن و يحمي منها نفسه و أهله، و يرتقي حسه بالأخطار المعنوية كإحساسه بالأخطار المادية.

و هنا يحسن الإشارة إلى أن العقل لا يستقل بإدراك المصالح و المفاسد، بل الشرع المنزل هو الذي يدل على الحسن والقبيح، فمن يرى بعقله حُسن المظاهرات و الثورات مع أن الشرع يقضي بقبحهما وتحريمهما، فالشرع حاكم على العقل ، لأن الشرع لا ينهى إلا عن مفسدة خالصة أو راجحة، و لكن الإنسان الظلوم الجهول يتهم شرع ربه الذي أحاط بكل شيء رحمة و علماً و لا يتهم عقله القاصر و هواه المستبد!

و الشيء بالشيء يذكر ، فهذا زهير بن أبي سُلمى أحد حكماء الجاهلية، يُخبرك عن الحرب في معلقته الشهيره:

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ
فَتُغلِل لَكُم ما لا تُغِلُّ لِأَهلِها قُرىً بِالعِراقِ مِن قَفيزٍ وَدِرهَمِ

أليس في عقول أهل الأسلام من يستفيد من حكمة هذا الجاهلي!

اللهم نجنا من الفتن.

هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s