وردني هذا السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله ,,,
أعمل بالمملكة العربية السعودية ووجدت هنا شركات تسعى للتهرب الجمركي وعندما استنكرت ذلك قالوا أنها من المكوس المحرمة وان المكوس يدخل فيها الجمارك والضرائب والرسوم التي تؤخذ بدون وجه حق ودون خدمة مقابلها بالرغم من اعتماد اقتصاد دول على الضرائب والرسوم ,, ومؤخرا فرضت المملكة رسوم اضافية على مرافقي المقيم تؤخذ بشكل تدريجي على الابناء والزوجه ودون ان يكون هناك خدمة مقابل ذلك ,, كما فرضت من العام المقبل ضريبة القيمة المضافة ,,,فارجو توضيح ما المقصود بالمكوس وعلاقة الضرائب والجمارك والرسوم بها جزاكم الله خيرا ونفع بكم.
قلتُ مستعيناً بالله راجياً منه السداد:
الحمد لله وحده، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده:
خلاصة البحث في هذه المسألة هو أن الجمارك على البضائع التي يجلبها المسلمون، كذلك الضرائب و الرسوم، هي من المكوس المحرمة شرعاً و التي وردت الأحاديث الصحيحة بتغليظ تحريمها، كما سيأتي…
و يستثنى من ذلك ما فرضه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل الذمة، و التي كانت بطلب منهم حتى يُدخلوا تجارتهم إلى أرض العرب، أو ما فرضه على تجار الحبشة من سبيل المعاملة بالمثل، أما المسلمون فلا يؤخذ منهم إلا ربع العشر ، وهو مقدار الزكاة المفروضة، بشروطها الشرعية.
على تفصيل عند بعض أهل العلم في تقسيم الجمارك و الضرائب و الرسوم ، إلى ضرائب جائرة، و هي التى تؤخذ بغير وجه حق من غير حاجة ماسة و من دون تقديم خدمة في المقابل تستحق المال المُستقطع، و ضرائب جائزة، و هي التي تُفرض على الأغنياء عند وجود حاجة ماسة و خلو بيت مال المسلمين أو خزينة الدولة من المال، وهي تُفرض لغرض بعينه، ثم لا تُحصل مرة أخرى إلا عند وجود الحاجة الماسة، فهي ليست على سبيل الدوام، مع شروط أخرى ستأتي مفصلة…
أما ما يجب على المسلم حيال المكوس الجائرة التى تُستقطع من دون مقابل من منفعة أو خدمة، ففيه تفصيل، و يجب فيه مراعاة فقه درء المفاسد و جلب المصالح، و فقه تغيير المنكر:
فإن استطاع المسلم تجنب دفع تلك المكوس من غير حيلة أو كذب، فلا بأس بذلك، أما أن يكذب و يحتال فهذا لا يجوز، بل يدفع و يمتثل لأوامر ولى الأمر، و يحتسب أجره على الله تعالى، لما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في الصحيح (1847) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ” تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ” و الصبر على أخذ المال بالمكوس ظاهر الدخول في أمر رسول الله بالسمع و الطاعة في المنشط و المكره.
أما الأدلة التفصيلية و فتاوى أهل العلم التى استندت عليها فهي كالتالي:
أولاً: تعريف المكوس و الضرائب و الجمارك:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية، و هي مرجع فقهي معاصر نفيس الفائدة:
” الْمُكُوسُ: جَمْعُ مَكْسٍ. وَأَصْل الْمَكْسِ فِي اللُّغَةِ: النَّقْصُ وَالظُّلْمُ، وَدَرَاهِمُ كَانَتْ تُؤْخَذُ مِنْ بَائِعِي السِّلَعِ فِي الأَْسْوَاقِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ دِرْهَمٌ كَانَ يَأْخُذُهُ الْمُصَدِّقُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ.
وَيُطْلَقُ الْمَكْسُ – كَذَلِكَ – عَلَى الضَّرِيبَةِ يَأْخُذُهَا الْمَكَّاسُ مِمَّنْ يَدْخُل الْبَلَدَ مِنَ التُّجَّارِ. وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْمَكْسُ مَا يَأْخُذُهُ الْعَشَّارُ.
وَالْمَاكِسُ: هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ أَمْوَال النَّاسِ شَيْئًا مُرَتَّبًا فِي الْغَالِبِ، وَيُقَال لَهُ الْعَشَّارُ لأَِنَّهُ يَأْخُذُ الْعُشُورَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلاَدِ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الضَّرَائِبُ: جَمْعُ ضَرِيبَةٍ، وَهِيَ الَّتِي تُؤْخَذُ فِي الأَْرْصَادِ وَالْجِزْيَةِ وَنَحْوِهَا. وَهِيَ أَيْضًا: مَا يَأْخُذُهُ الْمَاكِسُ. وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الضَّرِيبَةَ أَعَمُّ.”
و قال صديق بن حسن البخاري في الروضة الندية 2/215 عن الجمارك التي تؤخذ من المسلمين : ” فهذا عند التحقيق ليس هو إلا المَكس من غير شك ولا شبه”.
ثانياً: أدلة تحريم المكوس و الضرائب و الرسوم الجائرة و فتاوى أهل العلم:
في صحيح مسلم، حديث رقم (1695) ، من حديث بريدة رضي الله عنه في قصة رجم الغامدية، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
” مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ “
قال النووي في المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج:
فيه : أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات ، وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده ، وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها .
و عند الدارمي (1708) ، و أبي داوود (2937) ، و أحمد ( 17294 ، 17354) ، عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
” لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ “. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (الدارمي) : يَعْنِي عَشَّارًا.
و في مسند أحمد ( 17001) عَنْ أَبِي الْخَيْرِ قَالَ : عَرَضَ مَسْلَمَةُ بْنُ مُخَلَّدٍ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ عَلَى رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ ، أَنْ يُوَلِّيَهُ الْعُشُورَ، فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
” إِنَّ صَاحِبَ الْمَكْسِ فِي النَّارِ “.
و قال ابن حزم في مراتب الإجماع ، ص 203 ، طبعة دار ابن حزم بيروت:
وَاتَّفَقُوا أَن المراصد الْمَوْضُوعَة للمغارم على الطّرق وَعند أَبْوَاب المدن وَمَا يُؤْخَذ فِي الاسواق من المكوس على السّلع المجلوبة من الْمَارَّة والتجار ظلم عَظِيم وَحرَام وَفسق حاشا مَا أَخذ على حكم الزَّكَاة وباسمها من الْمُسلمين من حول إلى حول مِمَّا يتجرون بِهِ وحاشا مَا يُؤْخَذ من أهل الْحَرْب وَأهل الذِّمَّة مِمَّا يتجرون بِهِ من عشر أَو نصف عشر فانهم اخْتلفُوا فِي كل ذَلِك فَمن مُوجب أَخذ كل ذَلِك وَمن مَانع من أَخذ شَيْء مِنْهُ الا مَا كَانَ فِي عهد صلح أهل الذِّمَّة مَذْكُورا مشترطا عَلَيْهِم فَقَط.
و في الموسوعة الفقهية الكويتية، تحت باب “مكس”:
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ: مِنَ الْمُكُوسِ مَا هُوَ مَذْمُومٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ ذَلِكَ.
فَالْمُكُوسُ الْمَذْمُومَةُ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهَا هِيَ غَيْرُ نِصْفِ الْعُشْرِ الَّذِي فَرَضَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى تِجَارَةِ أَهْل الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ هِيَ غَيْرُ الْعُشْرِ الَّذِي ضَرَبَهُ عَلَى أَمْوَال أَهْل الْحَرْبِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَكَانَ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا.
وَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْمُكُوسِ الْمَذْمُومَةِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهَا – وَهِيَ غَيْرُ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ – نُصُوصٌ تُحَرِّمُهَا وَتُغَلِّظُ أَمْرَهَا مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: لاَ يَدْخُل الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ.
و من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء برئاسة الشيخ بن باز رحمه الله تعالى:
الفتوى رقم ( 4012 ) ، ( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 490 – 492)
س: قرأت في كتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيتمي في حكم المكوس، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها وأن أصحابها أشد الناس عذابًا يوم القيامة، فلدينا في مصر يعتمد الاقتصاد القومي على تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات والصادرات، وهذه الرسوم بالتالي يقوم التجار بإضافتها إلى ثمن البضاعة المباعة بالتجزئة للجمهور، وبهذه الأموال المحصلة تقوم الدولة بمشروعاتها المختلفة لبناء مرافق الدولة، فأرجو من فضيلتكم توضيح حكم هذه الرسوم وحكم الجمارك والعمل بها، وهل يعتبر نفس حكم المكوس أم لا يعتبر نفس الحكم؟ أرجو توضيح هذا الأمر؛ لأنني أعمل بمصلحة الجمارك، فهل هذا العمل حرام أم حلال؟ وبالتالي يتسنى لي التصرف حتى لا يصيبنا عذاب الله عز وجل، علمًا بأنني أعمل في مجال الحسابات والاستحقاقات مرتبات العاملين.
ج: تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات والصادرات من المكوس، والمكوس حرام، والعمل بها حرام، ولو كانت مما يصرفها ولاة الأمور في المشروعات المختلفة، كبناء مرافق الدولة؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذ المكوس، وتشديده فيه، فقد ثبت في حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه في رجم الغامدية التي ولدت من الزنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وروى أحمد وأبو داود والحاكم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يدخل الجنة صاحب مكس) وصححه الحاكم، وقد قال الذهبي في كتابه (الكبائر): والمكاس داخل في عموم قوله تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
؛ والمكاس من أكبر أعوان الظلمة، بل هو من الظلمة أنفسهم، فإنه يأخذ ما لا يستحق، ويعطيه لمن لا يستحق، واستدل على ذلك بحديث بريدة وحديث عقبة المتقدمين، ثم قال: والمكاس فيه شبه من قاطع الطريق، وهو من اللصوص، وجابي المكس وكاتبه وشاهده وآخذه من جندي وشيخ وصاحب راية – شركاء في الوزر، آكلون للسحت والحرام. انتهى.
ولأن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال تعالى: وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته بمنى يوم العيد في حجة الوداع:
إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا
فعلى المسلم أن يتقي الله ويدع طرق الكسب الحرام، ويسلك طرق الكسب الحلال، وهي كثيرة وللّه الحمد، ومن يستغن يغنه الله، قال الله تعالى:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا
، وقال:
يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا
.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو | نائب الرئيس | الرئيس |
عبد الله بن غديان | عبد الرزاق عفيفي | عبد العزيز بن عبد الله بن باز |
و من فتاوى الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله، و هو من أعلام علماء الجزائر السلفيين:
“… التفريقُ بين نوعين مِنَ الضرائبِ التي يُسمِّيها بعضُ الفقهاءِ مِنَ المالكيةِ ﺑ «الوظائف» أو ﺑ «الخراج»، وسمَّاها بعضُ الأحنافِ ﺑ «النوائب» أي: نيابة الفردِ عن السلطان، وعند بعضِ الحنابلةِ ﺑ: «الكُلَف السلطانية»، وهما:
ـ ضرائبُ مأخوذةٌ بحقٍّ على سبيلِ العدل وبشرطها.
ـ ضرائبُ تُؤْخَذُ على سبيلِ الظلمِ والتعدِّي.
فالضرائبُ التي يفرضها الحاكمُ المسلمُ لضرورةٍ قاضيةٍ أو لسَدِّ حاجةٍ داعيةٍ أو لدرءِ خطرٍ داهمٍ أو متوقَّعٍ، ومصدرُ الخزينةِ العامَّةِ للدولة لا يفي بالحاجاتِ ولا تغطِّيها بالنفقات، فإنَّ العلماءَ أَفْتَوْا بتجويزِ فَرْضِها على الأغنياءِ؛ عملًا بالمَصالحِ المُرْسَلةِ، وتأسيسًا لقاعدةِ: «تَفْوِيتِ أَدْنَى الْمَصْلَحَتَيْنِ تَحْصِيلًا لِأَعْلاَهُمَا»، وقاعدةِ: «يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ»، وبه قال أبو حامدٍ الغزَّاليُّ في «المستصفى»(١)والشاطبيُّ في «الاعتصام»(٢)، حيث نصَّا على أنه إذا خَلَا بيتُ المالِ وزادَتْ حاجةُ الجندِ فللإمامِ أَنْ يُوَظِّفَ على الأغنياءِ ما يراهُ كافيًا لهم في الحال، ولا يخفى أنَّ الجهادَ بالمالِ مفروضٌ على المسلمين، وهو واجبٌ آخَرُ غيرُ فريضةِ الزكاة؛ قال تعالى: ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]، وقال تعالى: ﴿ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: ٤١]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ ١٥﴾ [الحُجُرات]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ﴾ [الصف: ١١]، فيكون مِنْ حقِّ أُولي أمرِ المسلمين أَنْ يُحدِّدوا نصيبَ كُلِّ فردٍ قادرٍ مِنْ عبءِ الجهاد بالمال، ورجَّح النوويُّ وغيرُه مِنْ أئمَّةِ الشافعيةِ أنه يُلْزَمُ أغنياءُ المسلمين بإعانتهم مِنْ غيرِ مالِ الزكاة(٣)، ويدخل ـ ضِمْنَ ما سَبَق ذِكرُه ـ سائرُ المَرافقِ العامَّةِ العائدةِ على أفرادِ المجتمع كافَّةً، سواءٌ كانَتْ مصلحةُ الجماعةِ وتأمينُها عسكريًّا واقتصاديًّا يحتاج إلى مالٍ لتحقيقِها ولم تَكْفِهِمُ الزكاةُ، بل حتَّى إذا كانَتِ الدعوةُ إلى اللهِ وتبليغُ رسالتِه يتطلَّب ذلك؛ إذ إنَّ تحقيقَها حتمٌ لازمٌ على سَاسَةِ المسلمين، وفرضُ الزكاةِ لا يَفِي بما هو لازمٌ، وإنما يتمُّ الواجبُ بفرضِ مالِ ضريبةٍ غيرِ الزكاة، فيُقَرَّرُ الوجوبُ ـ عندئذٍ ـ بناءً على قاعدةِ: «مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ».
ثمَّ إنَّ الفردَ يغنم مِنْ تلك المَرافقِ العامَّةِ الممهِّدةِ لفائدتِه والمُهيَّأَةِ لمصلحتِه مِنْ قِبَلِ الدولةِ المسلمة؛ فإنه عليه ـ بالمُقابِل ـ أَنْ يدفعَ ما هو داخلٌ في الْتزامِه؛ عملًا بمبدإِ: «الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ».
غيرَ أنَّ تشريعَ هذا الحكم مقيَّدٌ بجملةٍ مِنَ الشروط منها:
١ ـ خُلُوُّ بيتِ المالِ وحاجةُ الدولةِ إليه حقيقيةٌ وانعدامُ المواردِ الماليةِ الأخرى لها.
٢ ـ وجوبُ إنفاقِها في مصالحِ الأمَّةِ على سبيلِ العدل.
٣ ـ الْتِماسُ مشورةِ أهلِ الرأيِ ورجالِ الشورى في تقديرِ حاجاتِ الدولةِ إلى المالِ العاجلة، ومدى كفايةِ المواردِ مِنْ عجزِها، مع مراقبةِ جمعِها وتوزيعِها بالصورةِ المطلوبةِ شرعًا.
هذا النوعُ مِنَ الضرائبِ الذي يُقَسَّمُ بالعدلِ والقسطِ بحقٍّ فقَدْ أقرَّه فقهاءُ المذاهبِ الأربعةِ تحت تسمياتٍ مختلفةٍ ـ كما تقدَّم ذِكرُها ـ ويؤيِّد ذلك فعلُ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أثناءَ خلافتِه: أنه كان يفرض على تُجَّارِ أهلِ الحربِ العُشْرَ، ويأخذ مِنْ تُجَّارِ أهلِ الذمَّةِ نِصْفَ العُشْرِ، ومِنْ تُجَّارِ المسلمين رُبُعَ العُشْرِ(٤).
أمَّا النوعُ الثاني مِنَ الضرائبِ فهي المُجحِفة والجائرة فليسَتْ سوى مُصادَرةٍ لجزءٍ مِنَ المالِ يُؤْخَذُ مِنْ أصحابِه قسرًا وجبرًا وكرهًا مِنْ غيرِ طِيبِ نفسٍ منهم، مُخالِفين ـ في ذلك ـ المبدأَ الشرعيَّ العامَّ في الأموال، وهو أنَّ «الأَصْلَ فِي الأموال التَّحْرِيمُ»؛ استنادًا إلى نصوصٍ كثيرةٍ منها: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»(٥)، وقولُه عليه الصلاةُ والسلامُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»(٦)، وقولُه: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ …»(٧)، وقولُه: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»(٨).
وعليه، فإنَّ ما وَرَد ثابتًا أو غيرَ ثابتٍ مِنْ أحاديثِ ذمِّ المكَّاسِ والعشَّارِ واقترانُها بالوعيدِ الشديدِ إنما هي محمولةٌ على الجباياتِ والضرائبِ الجائرةِ والقاسطةِ التي تُؤْخَذُ بغيرِ حقٍّ وتُنْفَقُ في غيرِ حقٍّ ومِنْ غيرِ توجيهٍ، بمعنى أنَّ الموظَّفَ العاملَ على جبايتِها يَستخدِمه الملوكُ والحُكَّامُ وأتباعُهم لقضاءِ مَصالحِهم وشهواتِهم على حسابِ فُقَراءِ ومظلومِي مجتمعاتِهم مِنْ شعوبِهم، وضِمْنَ هذا المنظورِ والمحتوى يقول الذهبيُّ ـ رحمه الله ـ في «الكبائرِ»: «المكَّاسُ مِنْ أكبرِ أعوانِ الظَّلَمَةِ، بل هو مِنَ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهم؛ فإنه يأخذ ما لا يَستحِقُّ ويُعطيه لمَنْ لا يَسْتحِقُّ»(٩).
هذا هو حالُ التعاملِ الذي سادَ العالَمَ عند ظهورِ الإسلام، ولا تزال هذه الضرائبُ المُجحِفةُ تفرضها الحكوماتُ ـ اليومَ ـ على أوساطِ الناسِ وفُقَرائِهم مِنْ مجتمعاتِهم وبالخصوصِ الشعوب الإسلامية، وتُرَدُّ على الرُّؤَساءِ والأقوياءِ والأغنياء، وتُصْرَفُ ـ غالبًا ـ في شهواتِهم ومَلذَّاتِهم المتمثِّلةِ في البروتوكولاتِ الرسميةِ: في استقبالِ الزائرين مِنْ ملوكٍ ورُؤَساءَ، وفي ولائمِهم ومِهْرجاناتِهم التي يأخذ فيها الفجورُ والخمورُ وإظهارُ الخصورِ نصيبَ الأسد؛ فضلًا عن أنواعِ الموسيقى وألوانِ الرقصِ والدعاياتِ الباطلةِ وغيرِها مِنْ شتَّى المجالاتِ الأخرى المعلومةِ والمشاهدةِ عيانًا، باهضةِ التكاليفِ المالية، فكانَتْ هذه الضريبةُ فعلًا ـ كما عبَّر عنها بعضُ أهلِ العلم ـ بأنها: تُؤْخَذُ مِنْ فُقَرائِهم وتُرَدُّ على أغنيائِهم، خلافًا لمعنَى الزكاةِ التي قال فيها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»(١٠)” … إلى أن قال:
” أمَّا فرضُ الضرائبِ إلى جانبِ الزكاةِ إذا لم يُوجَدِ الموردُ لسَدِّ هذه الحاجةِ إلَّا بالضرائبِ فيجوز أَخْذُها، بل يجب أَخْذُها عند خُلُوِّ بيتِ المالِ، وإنفاقُها في حقِّها، وتوزيعُ أعبائِها بالعدلِ والمساواةِ على ما تقدَّم في الضرائبِ العادلةِ وما تأيَّد به مِنْ فعلِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه.” انتهى.
ثالثاً: فقه التعامل مع المكوس و الضرائب الجائرة:
السؤال (للشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى): شرح الزاد – كتاب البيوع .شريط(14)ب.الدقيقة 27:10
في بعض البلاد ، بعض الناس يستوردون البضائع من دول الجوار بالشراء ، والحكومة تفرض عليهم الضرائب والجمارك…، وفي مثل هذه الحال بعض الناس يهربون لا يمر على نقاط التفتيش والضرائب ، يهربونها ، هل عليهم إثم في هذا ؟
الجواب :
“يقول : إن بعض البلاد فيها جمارك ، فهل يجوز لصاحب المال أن يفر من ذلك مع طريق آخر؟
الجواب : نعم يجوز ، يجوز بشرط ألا يكون في ذلك منابذة للحكومة ، يعني أنه يتسلل خُفْية ، أما إذا كان فيه منابذة ، فلا يجوز المنابذة ، بل الواجب الصبر ، والضرائب كلها ، كل من أخفى شيئا لدفع الظلم عن نفسه فلا بأس . لكن : أمّا أن يكذب ، ويضع شيئا آخر تحيلاً فهذا لا يجوز)اهـ.
السؤال: (للشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى): سلسلة لقاءات الباب المفتوح > لقاء الباب المفتوح [65]
فضيلة الشيخ، الرسوم التي تؤخذ لتجديد الاستمارة، أو الرخصة ،هل تعتبر من الضرائب؟
الجواب:
” إي نعم. كل شيء يؤخذ بلا حق فهو من الضرائب، وهو محرم، ولا يحل للإنسان أن يأخذ مال أخيه بغير حق، كما قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأكل مال أخيك بغير حق؟». ولكن على المسلم السمع ،والطاعة، وأن يسمع لولاة الأمور ،ويطيع ولاة الأمور، وإذا طلبوا مالاً على هذه الأشياء ،سلمه لهم، ثم إن كان له حق فسيجده أمامه ،وإن كان ليس له حق فقد أخذ منه حق، أقول إذا كان له حق فسيجده أمامه، وإن لم يكن له حق بأن كان الذي أخذ منه على وجه العدل،فليس له حق، والمهم ،أن الواجب علينا السمع،والطاعة من ولاة الأمور، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- : «اسمع، وأطع وإن ضرب ظهرك ،وأخذ مالك». ولا يجوز أن نتخذ من مثل هذه الأمور وسيلة إلى القدح في ولاة الأمور ،وسبهم في المجالس، وما أشبه ذلك، ولنصبر، وما لا ندركه من الدنيا، ندركه في الآخرة.” أهـ.
السؤال: (للشيخ الألباني رحمه الله تعالى): سلسلة الهدى و النور ، شريط رقم 36
أبو اسحاق : سؤال يا شيخنا هل الضرائب حلال مع كوني أدفع الزكاة؟
الشيخ الألباني: (بتصرف من عندي اقتصاراً على محل السؤال):
” الضرائب هي مكوس ، وهي مما لا يجوز في الإسلام … الجواب عن حكم الضرائب في الإسلام ؛ لاشك أن هذه الضرائب التي تفرض يقصد بها تحقيق مصالح للأمة مع شيء من التسامح بالتعبير ؛ لأن كثيرا من هذه الضرائب تصرف فيما يضر الأمة ، تصرف على الأقل فيما فيه إسراف وإضاعة المال ونحو ذلك ؛ فنقول هذه الضرائب ما سنها أو قننها من فرضها على الشعوب المسلمة إلا حينما أعرضوا عن التشريعات التي سنها الشارع الحكيم في الإسلام والتي هي السبب لتكديس الأموال في خزينة الدولة المسلمة ؛ فلما أعرض الحكام عن هذه الوسائل المشروعة خلت بيوت المال من المال فماذا يفعلون ، سنوا من عندهم تلك الضرائب ؛ فهي مكوس وهي لا تجوز ؛ ولذلك يفصل في خصوص الضرائب ، يفصل الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه العظيم ” الاعتصام ” يفصل الكلام تفصيلا حسناً حول هذه الضرائب فيقول : ” يجوز للوالي أو الحاكم المسلم أن يفرض ضرائب على الشعب المسلم لحل مشكلة طارئة لا يفي ما في بيت المسلمين من المال لحل هذه المشكلة فحينئذ يجوز للوالي الحاكم أن يفرض فريضة من عنده وباجتهاده للقضاء على المشكلة الطارئة ، فإذا ما زالت المشكلة زالت هذه الضرائب … وهذا إذا لم يترتب من وراء ذلك مس للإسلام بسبب المتهرب” ، أقول أنا مثلا قد يتهرب مسلم من ضريبه ، مثلا قد يهرب حاجة إلى الدولة التي تفرض الجمارك مثلا ؛ فإذا ما اكتشف سبه وسبه لحيته ودينه وإلى آخره ، فإذا لم يترتب من وراء ذلك مثل هذه المفسدة جاز ؛ لأنه هو يتخلص من الظلم فيجوز لكن بهذا القيد وهذا الشرط.
السائل : هل مثلا بهذا التهرب مثلا نضطر إلى دفع رشاوي أو غيره، هذا السؤال هل يحتاج إلى هذا التهرب إلى دفع الرشاوي أو غيره إلى بعض الناس حتى يدفع عنه الظلم الأكبر فهو يدفع شيء بسيط حتى يدفع عنه الظلم الأكبر فما رأيكم في ذلك .
الشيخ : والله الرشاوى هذه بالصورة هذه يخشى منها تعويد هؤلاء الموظفين على هذه المكوس بمصيبة أخرى وهي الرشوة ؛ ولذلك ما استحل ذلك .
أبو اسحاق: لكن كان عندنا محل في سنتين جاء علينا ضرائب اثنى عشر ألف جنيه في حين أرباحه لا تصل إلى النصف فأنا ممكن اتوصل الى دفع مئة جنيه أو مئتين جنيه يعني دفع الظلم الأكبر بالظلم الأقل فهل يجوز هذا؟
الشيخ : نحن نقول هذا نقول هذا دفع الشر الأكبر بالأصغر بس يجب أن يراعي في ذلك ما ذكرته آنفا عدم كشف الأمر فيمس الدين والإسلام ونحو ذلك.
أبو اسحاق: لكن طالما سرا جائز!
الشيخ: أما بينه وبين ربه فيجوز.” أهـ
و في سلسلة الهدى و النور ، شريط رقم 573
“السائل : ما رأيكم في التحايل على الحكومة في عملية الضرائب بالتزوير ؟
الشيخ : نعم لا نراه جائزاً، إلا في حالة ربما تكون نادرة، أولاً يجب أن نستحضر حقيقة أنا أعتقدها وهي أن الضرائب كلها ليست بمثابة واحدة في التحريم قد يكون كثير من الضرائب يعني مكوس كما جاء في بعض الأحاديث لكن ضرائب أخرى لا بد منها لتقويم حياة الأمة مثلا ضرائب لأجل تعبيد الطرق وماشابه ذلك فإذا استحضرنا هذه الحقيقة أولا ثم فكرنا بأننا إذا احتلنا على نوع من الضرائب التي ليست من النوع الذي لا بد للأمة من فرض الدولة عليها ذلك فيمكن أن يقال في هذا النوع من المكوس يجوز الاحتيال بشرط أن يأمن المسلم المحتال على الدولة أن ينكشف أمره لأنه إذا انكشف أمره طُعن في دينه وفي عقيدته، واضح الجواب؟
السائل : نعم”
و في سلسلة الهدى و النور ، شريط رقم 495
” السائل: شيخ ، جزاك الله خير حينما يشتري أحدنا أرضًا مثلا يعلم أن هناك عشرة بالمائة يدفع البائع والمشتري ضريبة على قيمة الأرض للحكومة ، فهل يجوز أن يتفق البائع مع المشتري بأن يكتب رقم أقل مما اتفقا عليه أصلاً ليدفع للحكومة أقل مما ينبغي ؟
الشيخ: (أدِ الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك)، ما يجوز هذه الأعمال أبدًا ، الإسلام ما يعرف إلا أن يمشي المسلم سويًا على صراطٍ مستقيم .
السائل : يعني يجوز للدولة أن تأخذ العشرة في المائة هذه ؟
الشيخ : لا يجوز ولا واحد في المائة .
السائل : فإذًا لا يجوز أن أعطيها أيضًا مثل ما ..
الشيخ : أنت تصير مثل الدولة يعني ؟ … هذا معنى الحديث يا أستاذ : ( أدِ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) .
السائل : الضريبة يا شيخ .
الشيخ : نحن من زمان نريد منك التحرك يا أستاذ … .
السائل : .. نفس الأسئلة .
الشيخ : كيف ما في مجال ، إذا ما دخلت المسبح ما راح تسبح … .
السائل : طريقة ضريبة الدخل
الشيخ : لحظة ، … ضريبة الدخل ما بالها ؟
السائل : يعني هل تأتي لنفس المعنى الذي شرحته ؟
الشيخ : طبعًا ، كل الضرائب اليوم بدون استثناء غير شرعية ، يمكن أن يصبح بعضها يومًا ما شرعيا ، متى ؟ حينما يطبق نظام الإسلام في جباية الأموال ، وأظنكم جميعًا تعلمون أن الدولة الإسلامية في كل العهود السابقة بخاصة في العهد الأول والثاني والثالث كان هناك نظام معروف لجمع الأموال ووضعها في بيت مال المسلمين ، وهي بصورة عامة أموال الزكاة ، أموال الأوقاف ، أموال الركاز مثلاً … إلى آخره ، فأكثر الدول الإسلامية ، إن لم نقل كل الدول الإسلامية صرفت النظر عن جمع الأموال بالطرق المشروعة واستعاضت عن هذه الطرق بطرق أوربية كافرة هي التي تسمى بالضرائب ، وهذه الضرائب كما تعلمون لها يعني أجناس كثيرة جدًا ، منها ضريبة الدخل التي تسأل عنها ، فيوم تعكس دولة من الدول الإسلامية طريقة جمع الأموال بهذه الطريقة العصرية اليوم ، وترجع إلى الطرق الشرعية ويصير يتجمع عندها أموال ما شاء الله في خزينتها ، وتصرف من جهة أخرى على الطريقة الشرعية ، ولا تصرف على الملاهي ، ولا تصرف على أشياء من بذخ وترف تتعلق بطائفة من الموظفين من الملك وأنت نازل ، الجمع يكون بالطرق المشروعة ، والصرف كذلك يكون في الطرق المشروعة ، فتجمعت هذه الأموال في خزينة الدولة ثم عرض لها عارض ، مثلاً للقيام بمشروع ضروري لفائدة الشعب المسلم ، أو لدافع صائلة عدو غادر ، فنظرت الدولة فلم تجد في الخزينة من الأموال ما يكفي لقيام في ذاك الإصلاح أو هذا الدفاع ، حينئذٍ تفرض فريضة تتناسب مع أموال الأغنياء ، وليست الضريبة مقطوعة … حينئذٍ يمكن للحكومة المسلمة أن تلجأ إلى فرض ضرائب بهذا الشرط الأول بنسب متفاوتة على حسب الغنى أولاً ولا تصبح ضريبة لازمة على مر السنين ، وإنما ما وجدت للمصلحة وجدت هذه الضريبة وإلا فلا.
هؤلاء الحكام مع الأسف صدق فيهم قول الله عز وجل الموجه إلى اليهود : (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) فهم استبدلوا الضرائب بالشريعة ، وهذا بلا شك أن عاقبة الأمر ، ايش سيكون ، كان عاقبة الأمر كما ترون مما أصاب المسلمين من الذل والهوان حتى على أذل الأمم وهم اليهود ، والله المستعان ، لعلي أجبتك عن سؤال ؟
السائل : … ندفع بالضبط ما تطلبوا منا بالدخل .
الشيخ : أي نعم أي نعم ” أهـ.
و من فتاوى الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
السـؤال:
يُفرضُ على التجَّار لممارسة أيِّ نشاطٍ حُصولُهم على سِجِلٍّ تجاريٍّ، فهل عدمُ اقتنائِهِ يُعَدُّ محذورًا شرعيًّا؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فالتجارةُ لا يُشترطُ لها -شَرْعًا- سِجِلٌّ تجاريٌّ، وإنَّما تَفرضُه السلطةُ الدنيوية جَبْرًا على التجَّار لتُرَتِّبَ عليه مُكُوسًا وضرائبَ ورسومًا لفائدة الخزينة العامَّةِ للدولة، والتاجر إن كان لا مَحيدَ له من ممارسة تجارته إلاَّ بالسِّجلِّ التِّجاري المفروض عليه قَسْرًا؛ فإنَّ له أن يمارسها به ضرورةً لا دِينًا، وحالُ هذه المسألة كحال التأمين التِّجاري المتضمِّن لعقود الغرر على السيَّارات وغيرها مع أنَّه لا مناصَ له منه ولو أمَّن بأدنى الأخطار.
السـؤال:
ما حكمُ تهريب السِّلَع عن الجمارك والضرائب والمشارَكةُ مع المهرِّبين أو الإرسالُ معهم، خاصَّةً مع تَفَشِّي البطالة، وعدَمِ توفُّرِ مَناصِبِ العمل؟ وهل تجوز التجارةُ فيها بعد دخولها أو خروجها مِن مَناطِقِ الحدود؟ أفيدونا ـ جزاكم اللهُ خيرًا ـ.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ دولةَ بلدٍ إذ مَنَعَتْ إدخالَ الموادِّ المهرَّبةِ أو تهريبَها إلى بلدانٍ مُجاوِرةٍ تحقيقًا للمصلحة العامَّة للمسلمين فإنَّه لا يجوز مُخالَفةُ الحاكم بالإقدام على التهريب أو المُشارَكةُ مع المُمارِسين له، أو الإرسال معهم البضائعَ والسِّلَعَ؛ ذلك لأنَّ «تَصَرُّفَ الحَاكِمِ مَنُوطٌ بِالمَصْلَحَةِ» يقتضي عدَمَ مُخالَفته، خاصَّةً إذا كانَتِ الموادُّ المهرَّبة غيرَ مرخَّصٍ فيها تُلْحِق ضررًا مستَنْزِفًا لاقتصاد الأُمَّة مِن جهةٍ، فضلاً عن نوعِ ضرر الموادِّ المُسْتجلَبَةِ أو رداءة المنتوج المهرَّب، ونحوِ ذلك ممَّا يؤثِّر بطريقٍ أو بآخَرَ في المنتجات المحلِّية بشكلٍ يُسبِّب إخلالاً في مَناصِب العمل، وزعزعةً في العلاقات الاجتماعية.
وهذا كُلُّه إذا ما رُوعِيَتْ في الجانب الاقتصاديِّ مصلحةُ الأُمَّة، والمحافَظةُ على استقرارها بتنظيم طُرُق استيراد البضائع وتصديرها على وجهِ عدلٍ يخدم المسلمين، فإنَّ الواجب الطاعةُ في المعروف.
أمَّا إذا انتفَتْ دوافعُ تحقيق المصلحة العامَّة، وحلَّت مَحَلَّها دوافعُ المنعِ القائمةُ على تحقيق مَصالِحِ الأشخاص وأصحاب النفوذ في الاستحواذ على الأسواق، واحتكارِ المنتوجات، والاستبداد بالأسعار، والإضرار بالمُسْتهلِكِ، وخَلَتْ طُرُقُ الاستيراد والتصدير مِن أيِّ تنظيمٍ عادلٍ يخدم به مصلحةَ المسلمين، فإنَّ الأَوْلى تركُ التهريبِ والتجاوزِ مع المهرِّبين لِما فيها مِن تعريضٍ بالنفس للخطر والإذلال والإهانة والتحقير، وتعريضٍ بالأموال للتلف والمُصَادَرَة والضياع، والمعلومُ أنَّ المحافَظة على النفس والمال والعِرْض مِن مقاصد الشريعة التي أُمِرْنَا أَنْ نحافظ عليها.
هذا، وحكمُ التجارة بالسِّلَع المهرَّبة إذا كانَتْ غيرَ محرَّمةٍ في ذاتها، ولا تخدم الرذيلةَ، وليست مَحَلًّا لمُصادَرتها إذا ما وجدتها المصالحُ المعنيَّةُ في السوق فإنه لا بأس بالمُتاجَرة فيها بعد استقرارها في السوق المحلِّية، خاصَّةً مع التبرير السابق مِن إحداث عملٍ مُلِحٍّ وامتصاص حجم البطالة، فشأنُها في الحكم كشأن الموادِّ المُباحة التي دخلَتْ في عموم الأسواق والمحلَّات التجارية بالطُّرُق الملتوية والرشاوى.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ شعبان ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ١٩ أوت ٢٠٠٨م
أما تاريخياً، فقد وقع لي نصٌ قديمٌ عن الجمارك، جمارك الاسكندرية على وجه الخصوص، و ذلك في وقت السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، فقد قال ابن جبير في رحلته للحج من الاندلس مروراً بمصر سنة 578هـ:
و صل اللهم و سلم على عبدك و رسولك محمد، و على آله و صحبه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
هاني حلمي
تعقيب: خلاصة كتاب: “آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها في الاقتصاد الإسلامي” | هاني حلمي
تعقيب: تعليق على فتوى مفتي مصر بحُرمة التعامل بعُملة “البت كوين”…! | هاني حلمي