سؤال عن المال المكتسب بغير وجه حق في عقود الموظفين…!

السؤال:

أعمل مدرس تربية رياضية بإحدى المدارس الحكومية، وفي وقت الدراسة من الممكن أن أتم عملي ثم أترك المدرسة ولا زال اليوم الدراسي يعمل، وكذلك من الممكن أن أتغيب وآتي في اليوم الذي يلية وأجد القائمين علي الحضور والإنصراف حضّروني في اليوم الذي تغيبت فيه، وكذلك في فصل الصيف من الممكن أن أتغيب كثيرا لعدم وجود طلبة بالمدرسة … علما بأنني أتقاضي أجري كاملا فهل يكون المال حراماً أم حلالاً…أرجو الرد والتوضيح والإهتمام وعدم إهمال سؤالي ..وجزاكم الله خيرا

الجواب:

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،

الواجب في حقك أن تفي بالعقد الذي بينك و بين المدرسة، سواء كان عقداً مكتوباً ينص على ساعات العمل و مهام العمل، أو عقداً معروفاً بالعُرف بين الناس، فإن المعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً، و يجب الوفاء بالعقود لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة:1] ، و قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء :34] ، و قوله صلى الله عليه و سلم “المسلمون عند شروطهم”، و غيرها من الأدلة.

و عقد عمل المدرسين و الموظفين في العادة، هو عقد إجارة على عمل ووقت ، و يُستحق الراتبُ بهما معاً، ألا ترى أنك إن لم تأتي في الوقت أو لم تحضر بالمرة يُخصم ذلك من راتبك، و كذلك إن لم تؤدي العمل كما هو مطلوب منك يُخصم ذلك من راتبك، فهو عقد إجارة على عمل معلوم في وقت معلوم، ما لم ينص عقد العمل أو اللوائح التنظيمية خلاف ذلك.

و على ذلك يعتبر المدرس “أجيراً خاصاً” في اصطلاح الفقهاء، يستحق الأجر بوضع نفسه تحت تصرف جهة العمل في الوقت المحدد للعمل، و إن لم يكن هناك عملاً يعمله في وقت العمل.

و على ذلك فإنه لا يحل لك الأجر الذي خالفت فيه شرط استحقاقك للأجر كاملاً، و منه التقيد بأوقات العمل، فهذا يجعل راتبك مالاً اختلط فيه الحلال بالحرام، و يسمى عند الفقهاء بالمال المُختلط.

أما سؤالك عن كيفية التصرف بهذا الجزء الذي اكتسبته بغير وجه حق، فأنا متردد بين قولين في المسألة، و يترجح عندي القول الأول مراعاة للأصول و القواعد، أما القول الثاني فهو أبرأ للذمة و أطهر للمال، كما يلي:

القول الأول: “المال الحرام المكتسب بعذر الجهل حلال لمكتسبه إذا وقع حال قيام عذر الجهل” ، و يظهر من سؤالك أنك معذور بالجهل بالحكم، قال الشيخ أبو المعز علي فركوس حفظه الله في أحد فتاويه :

” فالجاهل الذي لم يتمكَّنْ مِن تحصيلِ العلم بالحكم، …؛ فإِنَّ هذا النوعَ مِن الجهل يُعْذَرُ صاحِبُه ويُعفى عن المال الذي اكتسبه مِن مصدرٍ محرَّمٍ قبل معرفته للحكم الصحيح؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمۡرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٥]؛ فالآيةُ ـ وإِنْ نزلَتْ في شأنِ مَن يَتبايعُ بالربا مِن المسلمين ـ فالعبرةُ فيها بعمومِ اللفظ لا بخصوص السبب، وإذا كان اللهُ تعالى قد عَفَا للمسلم عن المال المُكْتسَبِ بالربا قبل نزول التحريم فيُلْحَقُ به سائرُ المَكاسِبِ المحرَّمة قبل العلم بها؛ وعليه فهي له حلالٌ ولأبنائه؛ فلا يُحْكَمُ عليها بالردِّ والتخلُّص والبطلان.”.

و على هذا القول لا يلزمك شيئاً إلا التوبة و الندم و عدم الرجوع لمثله، و الالتزام بمواعيد المدرسة.

القول الثاني: حتى تخرج من حرمة هذا المال عليك بالتوبة أولاً، ثم عليك محاولة تعويض المدرسة عن أجر هذه الأوقات التى لم تتواجد فيها، حاول أن تُقدر هذه الأوقات على وجه التقريب، و أقترح عليك بعض الحلول:

أولاً: أن تأخذ إجازة و تذهب للعمل، فبذلك تعوض المدرسة عن هذه الأوقات.
ثانياً: حاول أن تُقدر مبلغ الراتب الذي لم تعمل بوقته، و ترده على المدرسة بالصورة التى تراها مناسبة، فكأنك بفعلك هذا رددت لخزينة الدولة ما أخذته منها بغير وجه حق.
ثالثاً: إن لم تستطع رد هذا المال للدولة في هذه الصور، أو ترتب على محاولة إعادتك المال ضرر متحقق في عملك، فلك أن تتصدق به في مصالح المسلمين العامة.

أما ما فعله القائمون على الغياب و الحضور من إدراج اسمك ضمن الحاضرين في يوم تغيبك، فهو من الغش المُحرم و يجب عليهم التوبة منه و عدم الرجوع إليه، و عليك ان تُنكر هذا الأمر، بأن تثبت غيابك في ذلك اليوم أو أن تأخذ يوماً إجازة و تأتي للعمل تعويضاً عن هذا اليوم.

هذا ما أداه بحثي في المسألة، وهو غير مُلزم لك، و لك أن تستفتي كبار أهل العلم حتى يطمئن قلبك لمالك، والله أعلم بالصواب.

هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s